الشارقة: علاء الدين محمود
ارتبط الرسام البريطاني جوزيف رايت، «1734 - 1797»، بفنّه الموجّه نحو الطبيعة ومشاهدها ومناظرها المختلفة والمتنوعة، كما عرف بـ البورتريهات «رسم الوجوه»، وهو المجال الذي أبدع فيه بصورة كبيرة، واستطاع أن ينال من خلاله سمعة كبيرة، وأثراً واضحاً على حركة الفنون فقد كان يشار إليه باعتباره «أول رسام محترف يعبر عن روح الثورة الصناعية»، وذلك من خلال رسومات توضح النهضة العلمية التي أحدثتها الثورة الصناعية وأثرها الاجتماعي.
ولد رايت في حي «أيرونجيت»، بمدينة «دربي»، في إنجلترا لعائلة من المحامين، وبعد أن برزت موهبته في الرسم، قرر أن يخوض تجربة الاحتراف، فتوجه إلى العاصمة لندن في عام 1751 ودرس فيها لمدة عامين تحت إشراف الفنانين توماس هدسون، وجوشوا رينولدز أيضاً، بعد فترة قضاها في رسم البورتريهات، وقد عمل مساعداً لهدسون لمدة خمسة عشر شهراً، ليعود بعدها إلى دربي في عام 1753، حيث واصل عمله في فن البورتريه من خلال إنتاج لوحات يظهر فيها تأثير السطوع والقتامة جلياً باستخدام أضواء صناعية، بالإضافة إلى رسم المناظر الطبيعية، كما أمضى رايت فترة من حياته في ليفربول بين عامي 1768 و1771، وأنجز خلالها لوحات عدة شملت صوراً لعدد من الشخصيات البارزة في البلاد مع عائلاتهم، وقد حصل رايت على زمالة الجمعية الملكية في بريطانيا، وهي مؤسسة شهيرة في مجال الفنون، وكان من الفنانين الذين وضعوا بصمة واضحة، ودفع بفن الرسم إلى الأمام من خلال العديد من الابتكارات والتجارب الجديدة.
لوحة
تعتبر لوحة «اختبار على طائر في مضخة هواء»، التي قام برسمها رايت في عام 1768، من أهم أعمال الفنان، بل عدت ضمن الأيقونات الفنية العالمية، واختيرت ضمن أجمل مئة لوحة عالمية، وتبارى النقاد والمؤرخون في الحديث عنها، وهي تنتمي إلى أسلوبية وطريقة رايت في التعامل مع الضوء والظلال وتوزيع الألوان بطريقة آسرة تجعل المشاهد مشدوها وهو يتأمل اللوحة، إذ يتجلى في هذه القطعة الرائعة أثر الفنان في استخدام وتوظيف التقنيات الفنية خاصة السطوع والقتامة وإبراز التناقض بين الضوء والظلال، وذلك عبر استخدامه للشمع من أجل إضاءة الكائنات الموجودة في اللوحة، إذ تُعد لوحاته المتعلقة بولادة العلوم من الكيمياء، والمستنبطة في غالب الأحيان من لقاءاته مع «المجتمع القمري» في برمنغهام؛ وهي مجموعة من العلماء والصناعيين الذين يقطنون المناطق الوسطى من إنجلترا، تعد رصيداً هاماً في سجل صراع العلم ضد القيم التي كانت سائدة في الفترة المعروفة باسم «عصر التنوير»، وهنالك لوحات أخرى اعتمد فيها رايت على ضوء الشموع مثل: «ثلاثة أشخاص يتفحصون المصارع على ضوء الشمعة»، و«محاضرة الفيلسوف حول مجسم الكواكب»، و«الرجل العجوز والموت»، غير أن «اختبار على طائر في مضخة هواء»، تعد هي الأبرز والأشهر، ولعل ما يميز تلك الأعمال جميعاً هي ارتباطها بالمنجزات في مجال العلوم في ذلك الوقت، مما يؤكد الدور الكبير الذي لعبته الفنون في حركة الاكتشافات العلمية.
ولعل فرادة اللوحة فيما يتعلق بأسلوبية الفنان، هي التي جعلت التركيز عليها كبيرا، فعلى الرغم من وجود عدد كبير من الأشخاص والكائنات في مشهد اللوحة، إلا أن رايت نجح في إبراز التعبيرات في وجوه الشخصيات، كما أن العمل نفسه يعتبر شاهدا على ذلك العصر وما يجري فيه، فقد برز الفنان بصورة خاصة في تصوير المشاهد الحياتية اليومية، الأمر الذي يبقي أعماله خالدة، لذلك وصفت لوحة «اختبار على طائر في مضخة هواء»، من قبل العديد من النقاد والباحثين بأنها تعبر عن عمل «فريد وليس له أي مقلدين ويحمل طابع العبقرية»، وقد انتجت هذه اللوحة خلال فترة نشاط علمي كبير في أوروبا في القرن الثامن عشر، وفي ذلك الوقت، كان من المعتاد بالنسبة للعلماء السفر بمعداتهم وأداء العروض التوضيحية في المنازل الريفية، الأمر الذي كان مسلياً وكذلك تعليمياً، وتعرض هذه اللوحة اليوم في المعرض الوطني في لندن، حيث مازالت قبلة للزوار والمهتمين بالفنون.
وصف
يظهر في مشهد اللوحة عدد من الشخصيات لعائلة في منزل، تراقب تجربة علمية يتم تنفيذها أمامهم ليلاً، حيث إن العمل يركز بصورة أساسية على ردود أفعال الحضور تجاه التجربة التي تقوم فكرتها على وُضع طائر حي في وعاء زجاجي كبير، ثم سحب الهواء الذي يملأ الوعاء عبر المضخة لخلق الفراغ، وأُعدت التجربة لتوضيح أثر الحرمان من الهواء على الكائنات الحية، وتصور اللوحة اللحظة الفاصلة؛ عندما يختار العالم بين إعادة إدخال الهواء في القارورة لإحياء الطائر المحتضر أو تركه يهلك، ولعل هذا الشعور بعدم اليقين، وردود الأفعال العاطفية من قبل الحضور هو ما جعل اللوحة تحفل بالدراما وتحتشد بالعواطف والانفعالات المتباينة، وما فعله الفنان، ببراعة، اللعب على توظيف الضوء بطريقة عبقرية، بحيث توجد في العمل شخصيات رئيسية وهي التي تسلط عليها الأضواء الساطعة، والهامشية التي تقبع في الظلال، حيث أضيئت اللوحة بصورة درامية بمصدر ضوء براق واحد ينتج ظلالاً استثنائية، بينما أنظار الحضور كلها موجهة نحو العالم ذي الشعر الأبيض، والذي يتوجّه بنظره مباشرة نحو المشاهد، وهو منهمك بعملية الاختبار، فهو يشبه الساحر الذي يقدم عرضاً مدهشاً للصغار.
ارتبط الرسام البريطاني جوزيف رايت، «1734 - 1797»، بفنّه الموجّه نحو الطبيعة ومشاهدها ومناظرها المختلفة والمتنوعة، كما عرف بـ البورتريهات «رسم الوجوه»، وهو المجال الذي أبدع فيه بصورة كبيرة، واستطاع أن ينال من خلاله سمعة كبيرة، وأثراً واضحاً على حركة الفنون فقد كان يشار إليه باعتباره «أول رسام محترف يعبر عن روح الثورة الصناعية»، وذلك من خلال رسومات توضح النهضة العلمية التي أحدثتها الثورة الصناعية وأثرها الاجتماعي.
ولد رايت في حي «أيرونجيت»، بمدينة «دربي»، في إنجلترا لعائلة من المحامين، وبعد أن برزت موهبته في الرسم، قرر أن يخوض تجربة الاحتراف، فتوجه إلى العاصمة لندن في عام 1751 ودرس فيها لمدة عامين تحت إشراف الفنانين توماس هدسون، وجوشوا رينولدز أيضاً، بعد فترة قضاها في رسم البورتريهات، وقد عمل مساعداً لهدسون لمدة خمسة عشر شهراً، ليعود بعدها إلى دربي في عام 1753، حيث واصل عمله في فن البورتريه من خلال إنتاج لوحات يظهر فيها تأثير السطوع والقتامة جلياً باستخدام أضواء صناعية، بالإضافة إلى رسم المناظر الطبيعية، كما أمضى رايت فترة من حياته في ليفربول بين عامي 1768 و1771، وأنجز خلالها لوحات عدة شملت صوراً لعدد من الشخصيات البارزة في البلاد مع عائلاتهم، وقد حصل رايت على زمالة الجمعية الملكية في بريطانيا، وهي مؤسسة شهيرة في مجال الفنون، وكان من الفنانين الذين وضعوا بصمة واضحة، ودفع بفن الرسم إلى الأمام من خلال العديد من الابتكارات والتجارب الجديدة.
لوحة
تعتبر لوحة «اختبار على طائر في مضخة هواء»، التي قام برسمها رايت في عام 1768، من أهم أعمال الفنان، بل عدت ضمن الأيقونات الفنية العالمية، واختيرت ضمن أجمل مئة لوحة عالمية، وتبارى النقاد والمؤرخون في الحديث عنها، وهي تنتمي إلى أسلوبية وطريقة رايت في التعامل مع الضوء والظلال وتوزيع الألوان بطريقة آسرة تجعل المشاهد مشدوها وهو يتأمل اللوحة، إذ يتجلى في هذه القطعة الرائعة أثر الفنان في استخدام وتوظيف التقنيات الفنية خاصة السطوع والقتامة وإبراز التناقض بين الضوء والظلال، وذلك عبر استخدامه للشمع من أجل إضاءة الكائنات الموجودة في اللوحة، إذ تُعد لوحاته المتعلقة بولادة العلوم من الكيمياء، والمستنبطة في غالب الأحيان من لقاءاته مع «المجتمع القمري» في برمنغهام؛ وهي مجموعة من العلماء والصناعيين الذين يقطنون المناطق الوسطى من إنجلترا، تعد رصيداً هاماً في سجل صراع العلم ضد القيم التي كانت سائدة في الفترة المعروفة باسم «عصر التنوير»، وهنالك لوحات أخرى اعتمد فيها رايت على ضوء الشموع مثل: «ثلاثة أشخاص يتفحصون المصارع على ضوء الشمعة»، و«محاضرة الفيلسوف حول مجسم الكواكب»، و«الرجل العجوز والموت»، غير أن «اختبار على طائر في مضخة هواء»، تعد هي الأبرز والأشهر، ولعل ما يميز تلك الأعمال جميعاً هي ارتباطها بالمنجزات في مجال العلوم في ذلك الوقت، مما يؤكد الدور الكبير الذي لعبته الفنون في حركة الاكتشافات العلمية.
ولعل فرادة اللوحة فيما يتعلق بأسلوبية الفنان، هي التي جعلت التركيز عليها كبيرا، فعلى الرغم من وجود عدد كبير من الأشخاص والكائنات في مشهد اللوحة، إلا أن رايت نجح في إبراز التعبيرات في وجوه الشخصيات، كما أن العمل نفسه يعتبر شاهدا على ذلك العصر وما يجري فيه، فقد برز الفنان بصورة خاصة في تصوير المشاهد الحياتية اليومية، الأمر الذي يبقي أعماله خالدة، لذلك وصفت لوحة «اختبار على طائر في مضخة هواء»، من قبل العديد من النقاد والباحثين بأنها تعبر عن عمل «فريد وليس له أي مقلدين ويحمل طابع العبقرية»، وقد انتجت هذه اللوحة خلال فترة نشاط علمي كبير في أوروبا في القرن الثامن عشر، وفي ذلك الوقت، كان من المعتاد بالنسبة للعلماء السفر بمعداتهم وأداء العروض التوضيحية في المنازل الريفية، الأمر الذي كان مسلياً وكذلك تعليمياً، وتعرض هذه اللوحة اليوم في المعرض الوطني في لندن، حيث مازالت قبلة للزوار والمهتمين بالفنون.
وصف
يظهر في مشهد اللوحة عدد من الشخصيات لعائلة في منزل، تراقب تجربة علمية يتم تنفيذها أمامهم ليلاً، حيث إن العمل يركز بصورة أساسية على ردود أفعال الحضور تجاه التجربة التي تقوم فكرتها على وُضع طائر حي في وعاء زجاجي كبير، ثم سحب الهواء الذي يملأ الوعاء عبر المضخة لخلق الفراغ، وأُعدت التجربة لتوضيح أثر الحرمان من الهواء على الكائنات الحية، وتصور اللوحة اللحظة الفاصلة؛ عندما يختار العالم بين إعادة إدخال الهواء في القارورة لإحياء الطائر المحتضر أو تركه يهلك، ولعل هذا الشعور بعدم اليقين، وردود الأفعال العاطفية من قبل الحضور هو ما جعل اللوحة تحفل بالدراما وتحتشد بالعواطف والانفعالات المتباينة، وما فعله الفنان، ببراعة، اللعب على توظيف الضوء بطريقة عبقرية، بحيث توجد في العمل شخصيات رئيسية وهي التي تسلط عليها الأضواء الساطعة، والهامشية التي تقبع في الظلال، حيث أضيئت اللوحة بصورة درامية بمصدر ضوء براق واحد ينتج ظلالاً استثنائية، بينما أنظار الحضور كلها موجهة نحو العالم ذي الشعر الأبيض، والذي يتوجّه بنظره مباشرة نحو المشاهد، وهو منهمك بعملية الاختبار، فهو يشبه الساحر الذي يقدم عرضاً مدهشاً للصغار.