عادي
إضاءة رائعة على مهنة «الدوبلير» باعتبارها الأخطر في السينما

«ذا فول جاي».. فيلمان في واحد ومتعة بلا ملل

22:57 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

ما من مشاهد للسينما إلا وشعر برغبة جامحة لمعرفة ما يدور في كواليس تصوير الأفلام، ولا يختلف في هذه الأمنية الكبار عن الصغار، من هنا وجد صناع الأفلام وسيلة لجذب الجمهور وإبقائه في الصالات حتى آخر اسم في قائمة تتر النهاية، حيث يستعرض معظمهم لقطات من كواليس تصوير العمل سواء كانت لقطات مضحكة لهفوات حصلت أو لتكرار التصوير أكثر من مرة أو لمشاهد أكشن صعبة وخطيرة.. لكن لم نر مرة من يسلط الضوء على المغامرين الحقيقيين الذين يقفون خلف هؤلاء النجوم ويكونون «كبش الفداء»، والذين نسميهم «الدوبلير» أو «البديل» الذي يؤدي كل المشاهد الخطيرة نيابة عن بطل العمل خوفاً عليه من أي إصابة قد يتعرض لها فيتعطل تصوير الفيلم. «ذا فول جاي» تعني «كبش الفداء» وهو اسم الفيلم المعروض حالياً في صالات الإمارات، والذي يعتبر مميزاً من حيث الفكرة والتنفيذ والأداء وفكرة أن يقوم نجم مثل راين جوسلينج بأداء دور البديل لنجم آخر هي استثنائية ومغرية، تضاف إلى متعة المشاهدة التي لا تنقطع طوال مدة الفيلم.

ليست جديدة قصة «ذا فول جاي» فهي مقتبسة من المسلسل التلفزيوني الناجح الذي عرض في الثمانينيات (من 1981 وحتى 1986) بالاسم نفسه، تأليف جلين لارسون وقد لعب فيه النجم الأكثر تألقاً في تلك السنوات لي ماجورز دور كولت سيفرز ويؤديه هنا راين جوسلينج، وكانت هيذر توماس تلعب دور جودي بانكس التي تؤديها في الفيلم إيميلي بلانت، لكن يبقى لرؤية ولمسة مخرج الفيلم ديفيد ليتش، تأثير قوي على تقديم عمل سينمائي ناجح بكل المقاييس، خصوصاً أن ليتش نفسه بدأ حياته في عالم الفن والسينما «دوبلير» وكانوا يطلقون عليه لقب «ذا فول جاي» كبش الفداء، الذي أدى العديد من المشاهد الخطرة كبديل عن نجوم معروفين مثل براد بيت وجان كلود فان دام ومات ديمون، وغيرهم الكثير.. ثم أصبح مساعداً لمخرجين في أفلام ناجحة وكانت البداية مع فيلم «جون ويك»، وانتقل سريعاً إلى إخراج أفلام لاقت نجاحاً كبيراً مثل «أتوميك بلوند» و«فاست أند فوريوس» (2019) و«بوليت تراين».. لذلك من الطبيعي أن يمنح ليتش فيلمه الكثير من الواقعية، بل جعله كقطعة فنية وتحية لكل من قاموا بأداء المشاهد الخطرة نيابة عن النجوم الكبار، وتحية لأفلام وأغان قديمة، بل يريد المخرج أن يعيدنا إلى زمن الترفيه الحقيقي في السينما وزمن الصناعة بحرفية وجهد كبيرين قبل وصول وسائل عصر التقنيات التي باتت تغني عن الكثير من المشاهد والانتقال في أماكن التصوير وبإمكانها حتى تغيير ملامح الأشخاص.

الصورة

أكشن ورومانسية ودراما

الكاتب السينمائي درو بيرس، أضاف إلى القصة الأساسية التي كتبها الراحل جلين لارسون، فقدم مع المخرج ليتش فيلماً ترفيهياً رائعاً، يجمع الأكشن مع الرومانسية مع الدراما، يزيده جمالاً أداء بطليه جوسلينج وبلانت وانسجامهما، قصة تجذبك وتجبرك على المتابعة لنحو ساعتين وخمس دقائق، أي طوال مدة الفيلم بلا أي إحساس بالملل أو قراءة مسبقة منك وتوقع لما سيحصل، جرأة من النجم المحبوب جداً والمتألق في «لالا لاند» و«باربي» أن يلعب دور بديل البطل، وحين تتابع تصريحات جوسلينج عن كواليس «كبش الفداء» وتصوير المشاهد الخطرة تزداد إعجاباً به وبالعمل وإصرار المخرج ليتش على تقديم عمل يلمس مشاعر الجمهور ويمكن تصديقه لشدة ملامسته للواقع، حيث قام جوسلينج فعلياً بأداء تلك المشاهد رغم معاناته من فوبيا الأماكن المرتفعة، فهو في الحقيقة كما يعترف يموت رعباً من كل المرتفعات، وفي أحد المشاهد كان لا بد من إسقاطه من الطابق 12 من مبنى شاهق، فيقول راين: «أعتقد أنني فقدت الوعي، بصراحة، لا أتذكر الكثير»، وحين تدقق في المشهد تفهم سبب وضع البطل كولت نظارة سوداء على عينيه قبل أدائه هذا المشهد وكل مشهد يتطلب سقوطاً من مكان مرتفع، لكي يخفي جوسلينج الخوف بل الذعر الواضح جداً في عينيه، وهو ما تؤكده إيميلي بلانت بقولها: «كان بإمكانك سماع صوت سقوط الدبوس من شدة السكوت في موقع التصوير حيث كان الجميع مترقباً، وكنت خائفة جداً عند مشاهدة راين يسقط من فوق».

المشاهد الخطيرة

إنها قصة أحد نجوم الدوبلير في هوليوود، كولت سيفرز الذي يعتبر أداء المشاهد الخطرة عملاً روتينياً اعتاد عليه، وهو الدوبلير الدائم للنجم المحبوب توم رايدر (آرون تايلور جونسون)، الشبه بينهما كبير لدرجة أنك لا تستطيع التمييز بينهما في بعض المشاهد، علماً أن الشبه بين راين جوسلينج وآرون تايلور جونسون في الحقيقة ليس كبيراً إلى هذا الحد، وهنا دليل يقدمه المخرج على مدى قدرة هوليوود على تقديم خدع سينمائية عالية، لا يستطيع الجمهور التقاطها أو اكتشافها بسهولة، كولت يروي القصة بصوته، يعمل بجانب حبيبته جودي مورينو (إيميلي بلانت) مساعدة المخرج، يعيشان قصة حب جميلة وكما يقول كولت: «أعمل مع فتاة أحلامي في مهنة أحلامي»، لكن يحصل ما لم يكن في الحسبان، حيث يؤدي كولت مشهد السقوط من الطابق الثاني عشر من مبنى شاهق فيقع أرضاً ما يتسبب له في إصابة في الظهر يختفي على إثرها طوال مدة العلاج ليظهر مجدداً بعد 18 شهراً.

تخليه عن جودي واختياره الابتعاد عن العمل وتغيير رقم هاتفه لم ينسه حبه للمهنة ولحبيبته، وحين تمكنت المنتجة غايل ماير (هانا وادينجهام) من الوصول إليه لإقناعه بالعودة إلى العمل في فيلم جديد رفض إلى أن أخبرته أن الفيلم من إخراج جودي مورينو وسيكون أول فيلم يحمل توقيعها، وافق على العودة من أجل حبيبته التي لم تكن على علم باختيار غايل ودان توكر (وينستون ديوك) المسؤول عن تنفيذ عمليات الأكشن والمفرقعات والبديل الذي سيقوم بمشاهد الأكشن، اختيار كولت لتلك المشاهد، وبعد تصوير أول مشهد عند شاطئ البحر تفاجأت جودي بكولت أمامها. صحيح أن ليتش اختار أن يلعب بطله كولت دور الراوي أيضاً ويسرد لنا بعض الأحداث بصوته، لكنه ابتعد عن الرتابة والملل، بل يحسب له أنه أتقن الصناعة في كل لون قدمه، فجاء الأكشن والتشويق بأعلى درجاته، خصوصاً أنه عمل على جانبين الأكشن في مشاهد تصوير كواليس الأفلام، والأكشن في قصة كولت الشخصية وعلاقته بتوم رايدر، والرومانسية الرقيقة كما يحبها الجمهور بلا مبالغة، والدراما والغموض.. مهمة المخرج والمؤلف لم تكن سهلة، وكأنك تشاهد فيلماً في قلب فيلم، تعيش كواليس الكواليس، وببراعة ينقلك صناع الفيلم من حالة الخيال في التصوير إلى حالة الواقع في حياة أبطال الفيلم دون أن تتوه بين الأحداث والتفاصيل.

شعور بالرعب

اختيار موفق للممثل راين جوسلينج الذي يؤكد مرة جديدة، أنه نجم الأداء السهل الممتنع، يؤدي دوره بسلاسة رغم شعوره بالرعب خلال التصوير، صادق في أدائه ويمنحك الإحساس دائماً بالهدوء والاسترخاء لأنه لا يفتعل التمثيل ولا يتشنج في أي من أدواره، كذلك إيميلي بلانت تتألق بدور مساعد المخرج ثم المخرج والحبيبة الرومانسية الطيبة، كذلك وينستون ديوك متألق بدور دان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yk7ukbt8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"