رسائل الشرق في زيارات محمد بن زايد

00:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

رائد برقاوي

يجمع بين الإمارات، والصين، وكوريا الجنوبية، الكثير من المشتركات، في مقدمتها أنها ثلاث تجارب ناجحة في التحديث، وثلاثة نماذج تسابق الزمن في التنمية، وهناك فهم خاص يجمع بين البلدان الثلاثة لفكرة الحداثة المنفتحة على العالم، مع الأخذ في الاعتبار القيم، والتقاليد، والثقافة الأصيلة، ولكن الأهم من ذلك أن البلدان الثلاثة هي بالدرجة الأولى، نماذج في الأمل لكل الشعوب والأمم الأخرى التي تتطلع إلى التقدم.

في حضرة البلدان الثلاثة لا يمكن إلا التفكير في تلك السنوات القليلة التي استطاعت فيها كل دولة أن تحجز لها مكاناً مميزاً في عالم لا يعترف إلا بالنجاح، والمبهر في الموضوع أن البلدان الثلاثة تنتمي إلى الشرق، جغرافياً، كأن روح الحضارة التي غربت لقرون طويلة عن هذا البعد الجغرافي تعود إليه مرة أخرى، وحكاية كل بلد تحتاج إلى قراءات ودراسات حتى يستفاد منها، حكاية تؤكد أن الشرق يستطيع البروز والتقدم لو توفرت الرؤية، والإرادة، والتوظيف الأمثل للثروات والموارد.

هذا الوعي بالمشتركات آنفة الذكر، وغيرها الكثير، هيمن على علاقة الإمارات بالصين منذ عام 1989، حينما زار الرئيس الصيني يان شانغ كون، الإمارات، وفي العام التالي، قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بزيارة الصين، وكانت الأولى لقائد خليجي، ما يؤكد القدرة على استبصار المستقبل الواعد. آنذاك كانت الصين تخطو خطوتها الأولى لتكون قوة عالمية مؤثرة، وكانت الإمارات لا تزال في مرحلة التأسيس، لتتحول الصين في أقل من عقدين إلى قطب عالمي، وتصبح الإمارات خلال الفترة نفسها مركزاً إقليمياً يتطلع إليه الجميع.

واليوم، تأتي زيارتا «الدولة» لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الجمهورية الكورية، والصين الشعبية، تأكيداً لهذه المشتركات. فهاتان الزيارتان ليستا أول زيارة لصاحب السمو رئيس الدولة، إلى الدولتين الصديقتين، فيما يبقى أن الزيارتين تأتيان في سياق البوصلة، والرؤية، والتوجه نفسه، لتدعيم الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية بين الإمارات وكل من كوريا والصين، فضلاً عن الأوضاع السياسية وتعزيز السلم العالمي.

وخلال زيارة رئيس الدولة حفظه الله، إلى الصين تلبية لدعوة الرئيس شي جين بينج، سيحتفل القائدان بمرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وهي مناسبة للاحتفاء على المستويات كافة، ففي هذه العقود الأربعة حققت الدولتان إنجازات فاقت كل التوقعات، ونمت العلاقة فيما بينهما بمتوالية متسارعة، حتى باتت دولة الإمارات الشريك التجاري العربي الأول للصين، وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بينهما 284 مليار درهم في عام 2022، بنمو سنوي قدره 27%، فيما بكين هي ثالث أكبر مستثمر أجنبي في الإمارات، برصيد يقترب من 10 مليارات دولار.

أما علاقتنا مع كوريا الجنوبية، فالإمارات الشريك التجاري الثاني عربياً، لهذا البلد المتفوق في قطاعات الاقتصاد الجديد، حيث تعتزم الدولة استثمار 30 مليار دولار فيه، بمجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة، علماً بأنها ثاني أكبر مصادره من النفط.

ولهذا التحرك الدبلوماسي الذي يتسم بالزخم، وتلك العلاقات التجارية الوطيدة التي تدعمها الشراكة الاقتصادية اللافتة والمميزة، مغزى ودلالة، فنحن عندما نعجب بتجربة كل من الصين وكوريا، وندعو إلى دراستها، علينا أن نفخر بأن هذا التوجه الموزون للبلدين نحو الإمارات يعبر عن ثقة بمكانة بلادنا، وقدراتها الاقتصادية، ورؤيتها الاستراتيجية، واحترام لا حدود له لقادتنا، وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي لا يدخر جهداً لرفع علم الإمارات عالياً خفّاقاً في المحافل الدولية.

خطوات وتحركات الشيخ محمد بن زايد الخارجية تمنح كل واحد منا الشعور بالثقة، وتزرع فينا ابتسامته الهادئة إحساساً حقيقياً بالأمن والطمأنينة، وهو القائد الذي لن يهدأ إلا وهو يحقق لدولة الإمارات «الناموس» في كل المجالات، ويؤكد للعالم بأكمله، أن بلدنا وطن السلام، والتنمية، والتقدم.

الإمارات تتجه شرقاً إلى فضائها الجغرافي الطبيعي، ورئيسها يقوم بزيارتين تاريخيتين لدعم هذا التوجه، لتتضافر جهود توجيه رياح الشرق حتى يعود مجدداً إلى واجهة الحضارة على أسس سياسية، واقتصادية، وثقافية، فضلاً عن تأسيس شراكات إنسانية لا تقوم على الصراع، أو النزاع، أو هيمنة القطب الأوحد. شراكات تستهدف خير الإنسان، ووضعه الاقتصادي، ووجدانه الثقافي، وإحساسه بالآخرين، ورؤيته لهم، وكيفية تعامله معهم.

تحت راية بوخالد يبقى درس الإمارات الأبقى في علاقاتها بالصين وكوريا الجنوبية.. «اطلبوا الأمل في الشرق».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3yh2fh3j

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"