عادي
في شاعرية البصر

الحرف.. مساحة جمالية للتفاؤل

15:42 مساء
قراءة 3 دقائق
خالد الجلاف
الحرف.. مساحة جمالية للتفاؤل

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يعدّ الفنان الإماراتي خالد الجلاف واحداً من الخطاطين المعاصرين المميزين؛ حيث يمتلك تجربة مميزة، ظهرت من خلال العديد من إسهاماته الخطية الرائعة، التي مكّنته من أن يصبح من أكثر فناني الخط العربي إبداعاً، وذلك بعد مراكمته لخبرة فنية طويلة بدأ رحلتها عندما كان صغيراً، وطوّرها مع مرور الزمن عبر عدة محطات، وصل منها إلى شَغله الآن منصب رئيس جمعية «الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة».

عمل الجلاف طوال مسيرته الفنية على تقديم الخط العربي بوصفه جمالاً آسراً، وحاول من خلال أعماله إيصال الكثير من الرسائل المتعددة المضامين التي يختارها، مُقدّماً إياها في ثوب إبداعي، ومن بين تلك الأعمال، اللوحة التي بين أيدينا، والتي تحتوي على نص الآيتين الكريمتين من سورة الشرح: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْـرِ يُسْـرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْـرِ يُسْـرًا» بالخط الكوفي، وهو الخط الذي ركز عليه الجلاف في جلِّ أعماله الفنية، مستفيداً من إمكانياته الفنية وخصائصه التصميمية الأخاذة، التي يعكف على دراستها وتشكيلها في خياله حتى يقدمها للمتلقى.

*تفاؤل

ينبع تركيز الجلاف على الخط الكوفي من قناعته بضرورة إبراز الجماليات البهية التي يتميز بها هذا الأسلوب الخطي الأصيل، فهو خط زخرفي هندسي، تعتمد إجادته على تمكن الخطاط من الاشتغال على النواحي الهندسية الدقيقة، كما أنه خط سلس، يتيح للفنانين الموهوبين إمكانية التحسين والتطوير والابتكار في أشكالهم الجمالية المختلفة، وهو ما عمل عليه الجلاف في لوحته هذه، التي أتاح له نصها تشكيلها بصرياً بطريقة هندسية لافتة.

إن اختيار الجلاف لنص الآيتين الكريمتين كمضمون للوحته جاء لتحقيق هدفين، أحدهما معنوي، يحاول من خلاله توصيل مضمونهما للمتلقي، أما ثانيهما فشكلي جمالي، يحاول من خلاله توظيف التكرار الوارد فيهما لخدمة عمله الفني، وإكسابه طابعاً جمالياً خاصاً، فهما آيتان تقدمان بشارة للمؤمن من أجل التفاؤل، وإن كانتا قد نزلتا موجهتين إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سورة الشرح، فهما تبعثان على الإيمان بالقدر، وقبول الأحوال في تقلباتها؛ لأن الأزمة لا تشتدّ إلا لكي تنفرج.

*توظيف

لقد أتاح التكرار الوارد في الآيتين للجلاف أن ينفذ لوحته بتصميم هندسي مميز، وذلك من خلال توظيف خاصية التناظر في كتابة مقطعي «مع اليسر يسراً» المتكرر في الآية، فبعد أن كتب «فإن» أسفل الشكل مقابلة لألف «إن» الأخرى التي انطلقت من أعلى الشكل، وتوقفت مع نونها أسلفه أيضاً، كتب مقطع «مع اليسر يسراً» الأول في الجانب الأيمن من اللوحة، وقابله بالمقطع الثاني في الجانب الأيسر منها، ليرسم بذلك التناظر شكلاً يظهر المقطعين وكأن أحدهما يعكس الآخر في مرآة مقابلة، وهو تنفيذ محكم أراد من خلاله عكس دلالة النص القرآني ومعناه في شكل اللوحة، فتكرار المقطع تأكيد لمعناه وقطْع لحصول المضمون المُكرر، وتناظر الشكل تأكيد لذلك المعنى، وحثٌّ على الإيمان به؛ لأنه إيمان بالتفاؤل.

ولم يكن اختيار الجلاف لألوان لوحته هذه اختياراً اعتباطياً، فقد استخدم اللون الأزرق بمستويين هما: الأزرق الداكن الذي يرمز به إلى العُسر وشدّة الكرب، والأزرق الفاتح الذي يرمز به إلى اليسر وتفريج الكرب، فاللون الأزرق بشكل عام هو لون للثقة في النفس، والشعور بالإيمان والصدق والإخلاص، وانتظام التفكير الإنساني، كما أن عمله على تشكيل فضاء سماوي حول خطوط اللوحة جاء لإضفاء روحانية تأملية خاصة على هذا العمل، ليصبح الشكل العام للوحة باعثاً على الأمن الداخلي والسلام النفسي، وهذا ما أراد الخطاط خالد الجلاف إيصاله إلى ذات المشاهد المتلقي للوحة، فهي لوحة للتفاؤل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5dcrfpt5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"