روبرت رايخ *
أعلم أن سياسة الضرائب الأمريكية ليست أكثر الأشياء إثارة للاهتمام التي أنوي الحديث عنها، أو التي تركز عليها وسائل الإعلام. لكنها في الواقع تسلط الضوء على أهم الاختلافات وأكثرها كشفاً بين عودة جديدة لترامب أو فترة رئاسية أخرى لبايدن.
سأبدأ بترامب. فخلال فترة ولايته الأخيرة في البيت الأبيض، حقق الرئيس السابق إنجازاً تشريعياً رئيسياً واحداً، إن جازت تسميته إنجازاً، وهو قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017، الذي وقع عليه ليصبح قانوناً في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته. والواقع أن تكلفته كانت باهظة الثمن.
فعلى الرغم من أن زعماء الجمهوريين أكدوا أنها ستولد النمو وتضيف تريليون دولار من الإيرادات إلى خزينة الدولة، قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس أن التخفيضات ستكلف 1.9 تريليون دولار قبل انتهاء صلاحية إقرارها عام 2025. وثبُت بالفعل أن تقديرات الكونغرس كانت على حق. إذ لم تنجح تخفيضات ترامب الضريبية بتوليد موجة الاستثمار الجديدة التي وعد بها، بل أدت إلى تفجير فقاعة الدين الوطني، وتوسيع فجوة التفاوت، بمنح مكاسب غير مستحقة للمستفيدين الرئيسيين من الأثرياء والشركات الكبرى.
لم تستخدم الشركات هذه المكاسب لمكافأة العمال أو زيادة الإنتاجية، وبدلاً من ذلك، زادت من عمليات إعادة شراء أسهمها فحسب، والتي ستتجاوز تريليون دولار بحلول عام 2025. فقد أنفقت 272 من أكبر الشركات في أمريكا 7 أضعاف ما دفعته من ضرائب على عمليات إعادة شراء الأسهم والأرباح بعد التخفيض الضريبي المفروض.
وما ارتفاع عمليات إعادة الشراء هذه إلا طريقة أخرى لترجمة قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017 على شكل ثروة أعلى للأثرياء بدلاً من زيادة أجور العمال. فخلال هذه العملية، توزع الشركات الأرباح على المساهمين من خلال عرض إعادة شراء الأسهم، ما يرفع سعر السهم تلقائياً. وهذا يزيد من ثروة جميع المساهمين، وخاصة أولئك الأكثر ثراءً الذين لديهم أكبر عدد من الأسهم.
في دراسة حديثة أجراها خبراء اقتصاد من اللجنة المشتركة للضرائب ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، تبين أن العمال الذين يقل دخلهم عن النسبة المئوية التسعين من مقياس دخل شركتهم، (وهي المجموعة التي كان دخلها أقل من 114000 دولار تقريباً في عام 2016)، لم يشهدوا أي تغيير في أرباحهم نتيجة للتخفيض الضريبي الذي فرضه ترامب، فالأرباح نمت فقط لأولئك في القمة الذين حققوا أكبر المكاسب.
ولكن ماذا سيفعل ترامب إذا أعيد انتخابه؟ هل يُلغي القانون الذي أقره وينتهي في 2025؟ قد يمنح ذلك صُناع السياسات فرصة للتحرك نحو نظام ضريبي يزيد الإيرادات من خلال سياسات ضريبية تصاعدية، تتمثل بإنهاء التخفيضات الضريبية وزيادة معدلاتها على الشركات. لكن رسالة الرئيس السابق كانت واضحة في حملته الانتخابية الأخيرة لجمع التبرعات حيث قال: «إذا أعيد انتخابي فسوف أمدد التخفيضات الضريبية».
في الواقع، ستكون تكلفة تمديد التخفيضات الضريبية هائلة على اقتصاد الدولة، وبحسب تقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس، ستبلغ 4.6 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، أي أكثر من ضعف التكلفة الأصلية، ومن شأن هذا أن يتسبب في ارتفاع العجز والدين الفيدراليين عنان السماء.
وفي الشق ذاته، يفكر عدد من المشرعين الجمهوريين وبعض المستشارين الاقتصاديين لترامب في مزيد من التخفيضات الضريبية للشركات، بحجة أنها تعمل على تحسين القدرة التنافسية العالمية للولايات المتحدة.
وهذا ما يبرر ميل العديد من الرؤساء التنفيذيين والشركات الكبرى والأثرياء إلى صف ترامب، واستثمار المائدة المستديرة للأعمال أموالاً طائلة لعودته. لأنه سيخفض ضرائبهم، ويلغي اللوائح التنظيمية، ما يجعلهم أكثر ثراءً، على حساب بقية الشعب الأمريكي الذي سيدفع الثمن من خلال مزيد من دولارات الضرائب لسداد الفائدة على الديون الأكبر، وقليل من الأموال المخصصة للضمان الاجتماعي والرعاية الطبية أو أي احتياج عام آخر.
والآن، سأنتقل إلى خطة جو بايدن الضريبية، والتي هي عكس خطة ترامب تماماً. يقول الرئيس الحالي إنه لن يمدد قانون التخفيضات الضريبية الذي سنّه ترامب، مقترحاً زيادة الضرائب على الإيرادات التي تزيد على 400 ألف دولار سنوياً، مع خفضها على الأمريكيين من ذوي الدخل المنخفض.
يريد بايدن أن يدفع أثرياء أمريكا ما لا يقل عن 25% من دخلهم كضرائب، وأن يرفع ضريبة دخل الشركات إلى 28%، كما سيُنهي الإعفاءات الضريبية للشركات التي تمنح تعويضات للمديرين التنفيذيين بملايين الدولارات، وسيضاعف الضريبة التي تدفعها الشركات عند إعادة شراء أسهمها الخاصة.
ووجد تحليل معهد «أميركان إنتربرايز»، أنه بدلاً من تكلفة 4.6 تريليون دولار أخرى، كما هي الحال مع خطة ترامب، فإن تغييرات بايدن سترفع الإيرادات بمقدار 3.8 تريليون دولار، وستجعل النظام الضريبي أكثر عدالة وتقدمية.
من الواضح أن هناك العديد من الأسباب لإعادة انتخاب بايدن في الخريف، وأهمها السياسة الضريبية. كيف لا، والفارق البالغ 8.4 تريليون دولار في الإيرادات بين خطة الرئيس السابق لتمديد تخفيضاته الضريبية للأثرياء والشركات الكبرى، وخطة الرئيس الحالي لزيادتها على هذه الفئة، تدعو للذهول حقاً.
هذا هو الفارق بين حكومة قادرة على الاستجابة لاحتياجات الأمريكيين، وأخرى مصممة لجعل الأثرياء أكثر ثراءً.
*أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي (أوراسيا ريفيو)