مفتاح شعيب
ربما جاءت دعوة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى ضرورة إحلال السلام في أوكرانيا متأخرة بعض الشيء، لكنها تبقى أفضل خيار لتدارك ما فات، وتعبر عن قناعة ظلت مقموعة لعامين ونصف العام، وتؤكد أن الخروج من هذا الصراع الخطير يستوجب جرأة في بحث كيفية إنهاء حالة الحرب وصولاً إلى السلام بأسرع وقت.
المفارقة أن دعوة شولتش المفاجئة جاءت بعد يومين من اجتماع حلفاء أوكرانيا، في القاعدة الجوية الأمريكية في رامشتاين في غرب ألمانيا، والتزامهم بتكثيف الدعم العسكري والسياسي لكييف عسى أن تطيل صمودها في الصراع أمام روسيا التي تراكم مكاسبها الميدانية يومياً في شرق أوكرانيا، وتوجه إلى وسطها وغربها ضربات مؤلمة وغير مسبوقة، تستهدف منشآت الطاقة ومستودعات الأسلحة الغربية، بينما فشلت القوات الأوكرانية في تحقيق اختراق جوهري باستثناء التوغل في كورسك الروسية الذي فقد قيمته العسكرية بعد أن تحول إلى فخ أحكم الطوق على القوة المتوغلة فلا هي تقدمت ولا نجحت في التراجع.
مجريات الحرب الميدانية بدأت تفرض واقعاً جديداً على صناع القرار، سواء في كييف أو لدى الحلفاء الغربيين، وتزامنت دعوة شولتس، مع حديث متنام للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن رغبته في الجنوح إلى السلام، وأصبح لا يمانع في حضور روسيا أي مؤتمر حول بلاده، وهو الذي أصدر في السابق مرسوماً يحظر أي اتصالات بالمفاوضين الروس، وكان شديد التباهي بالدعم الغربي وأنه سيتمكن بواسطته من استرجاع كل الأراضي التي فقدها بما فيها شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو منذ عشر سنوات.
لكن كل تلك الخطط يبدو أنها لم تعد عملية، وصار لا بد من البحث عن خيار آخر غير الحرب، وإذا كان المفوض السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، يؤكد أن «لا أحد يريد السلام أكثر من زيلينسكي»، فإن أوروبا كلها باتت تريد سلاماً عاجلاً وإنهاء سريعاً لهذه الأزمة لأنها طالت أكثر مما يجب وآن أوان وقفها ولو بتقديم تنازلات مؤلمة.
طوال عامين ونصف فقدت أوكرانيا نحو خمس أراضيها واستنزفت الحرب مواردها البشرية والاقتصادية وخسرت عشرات الآلاف من خيرة أبنائها في معركة لم تكن متكافئة، وبالمثل فقد دفعت أوروبا أثماناً باهظة سواء عبر الدعم اللامحدود لكييف أو بسبب تداعيات العقوبات التي فرضتها مع الولايات المتحدة على موسكو.
تعتبر ألمانيا وفرنسا أكثر بلدين تضرراً من النهج المعادي لروسيا، وقد حاولتا منذ البداية تجنب هذا المصير، وكان شولتس والرئيس إيمانويل ماكرون آخر زعيمين غربيين ظلا على اتصال وثيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنهما سرعان ما انهارا تحت ضغوط واشنطن التي تورطت بدورها في هذه الأزمة ولم تعد تعرف كيف تخرج منها.
الحديث عن السلام في أوكرانيا لن يكون مفاجئاً في المستقبل القريب، سواء بدعوة شولتس أو تنازل زيلينسكي أو عبر مبادرة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبا، بفتح نافذة للتحرر من كوابيس هذه الحرب، رغم أن الطريق إلى المفاوضات سيكون شاقاً وطويلاً، وقد يحتاج تنفيذ مخرجاتها الى زمن طويل إذا نجت من الوقوع في حروب أخرى.