دين بيكر*
احتفل معظمنا بزيادة الوظائف الأمريكية، التي بلغت 254 ألف وظيفة في سبتمبر، إضافة إلى المراجعة بالزيادة بمقدار 72 ألف وظيفة لبيانات الشهرين السابقين، وربما كان الأمر الأكثر أهمية هو انخفاض معدل البطالة إلى مستوى تاريخي بلغ 4.1%.
والسؤال المطروح هو: إلى أي مدى يجب أن نشعر بالقلق إزاء ضعف سوق العمل، وما مدى تأثيره سياسياً على انتخابات الخريف؟ النقطة هنا ليست أن 4.1% من القوة العاملة عاطلة عن العمل، بل إن العمال لم يعودوا يشعرون بالرضا عن آفاق عملهم وبالتالي يترددون في ترك وظائفهم الحالية. وهناك أدلة تدعم هذا الرأي. فقد بلغت معدلات الاستقالة 1.9% في أغسطس. وهذا أقل من ذروة بلغت 3% في خريف عام 2021 وشتاء عام 2022.
ويحكي مقياس منفصل عن أشخاص يشعرون بثقة كافية في آفاق سوق العمل الخاصة بهم، لدرجة أنهم مستعدون لترك وظائفهم الحالية قبل أن يتمكنوا من الحصول على وظيفة جديدة، حيث بلغت نسبتهم 12.1% في سبتمبر، انخفاضاً من ذروة بلغت 16% لنفس الفترة قبل عام.
من الواضح أن الناس باتوا أقل قلقاً بشأن ترك وظائفهم الآن مما كانوا عليه في وقت سابق من التعافي. لكن تبدو الصورة أسوأ إلى حد ما مع معدل الإقلاع عن العمل. فقبل الوباء، بلغ معدل الإقلاع عن العمل ذروته عند 2.4% في يناير ويوليو من عام 2019، وبلغ متوسط 2.3% في كل من عامي 2018 و2019. وفي فترة التعافي من عام 2001 إلى عام 2007 بلغ ذروته أيضاً عند 2.3% في سبتمبر من عام 2005، ثم 2.2% في المتوسط لعام 2006، وانخفض قليلاً في العام التالي قبل أن يؤدي انهيار فقاعة الإسكان إلى الركود العظيم.
وسجلت معدلات البطالة بسبب الاستقالة الطوعية ذروتها عند 15.2% في يونيو 2019. وكان المتوسط السنوي لعام 2019 هو 13.6%. وكانت ذروة التعافي قبل انهيار فقاعة الإسكان 12.3% في مايو 2006، وهو أفضل قليلاً من قراءة سبتمبر، ولكننا حققنا متوسطات سنوية عند 13.3% و13.7% في عامي 1999 و2000 على التوالي. ومن الواضح أن الناس كانوا أكثر استعداداً لترك وظائفهم في ذروة دورات الأعمال السابقة.
ولكن هناك جانبان لهذه المعدلات المنخفضة من دوران العمالة. أحدهما قد يكون قصة سوق عمل ضعيفة تثبط عزيمة الناس عن المجازفة. والآخر هو أن الناس قد يكونون راضين نسبياً عن وظائفهم الحالية، وبالتالي يرون أسباباً أقل للمغادرة.
ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أن الأجور تواصل النمو بوتيرة صحية. فقد بلغ معدل نمو الأجور السنوي على مدى الأشهر الثلاثة الماضية 4.3%. ومع وتيرة التضخم الحالية فإن هذا يتوافق مع مكاسب الأجور الحقيقية التي تقترب من 2%، هو أفضل مما شهده العمال خلال معظم نصف القرن الماضي.
هناك نقطتان لا بد من توضيحهما بشأن وتيرة نمو الأجور هذه: أولاً، إذا كانت سوق العمل تضعف بشكل حاد حقاً فمن الصعب أن نرى لماذا قد تتسارع وتيرة نمو الأجور، ولكننا بالتأكيد لا نستطيع أن نقول إن وتيرة نمو الأجور تتباطأ. والنقطة الثانية هي أنه إذا كان العمال يشهدون نمواً صحياً للأجور الحقيقية في وظائفهم الحالية فليس من المستغرب أن يصبحوا أقل ميلاً إلى الاستقالة.
لا شك أن سوق العمل ضعفت عن مستواها في وقت سابق من التعافي. في رأيي، كنت سأزداد سعادة بمعدل بطالة أقرب إلى أدنى مستوى له، عند 3.4% في إبريل 2023، ولكن إذا نظرنا إلى الوراء على مدى العقود الثلاثة الماضية، فإن سوق العمل لا تزال تبدو جيدة للغاية.
وبمعظم المقاييس، فهي أفضل كثيراً من المتوسط خلال هذه الفترة، ولا يتجاوزها سوى ذروة دورات الأعمال في عامي 1999 و2000، وفي عام 2019. وإذا كنا نقارن سوق العمل في سبتمبر 2024 بالعقود السابقة، وليس سوق العمل غير العادية في وقت سابق من التعافي فمن المؤكد أننا سنتفاخر بقوتها.
عندما أشار أشخاص مثلي إلى انخفاض معدلات البطالة بشكل غير عادي كدليل على نجاح سياسات بايدن قوبلنا بجملة مثل «البطالة تؤثر فقط على بضعة ملايين من العمال، في حين يؤثر التضخم على الجميع». كان هذا أمراً ساذجاً للغاية، لأنه يسيء فهم كيفية عمل سوق العمل تماماً. قد نرى فقط 6-8 ملايين شخص عاطلين عن العمل في نقطة زمنية معينة، ولكن في شهر عادي يفقد 6 ملايين شخص وظائفهم أو يتركونها. وهذا يعني أنه على مدار العام يغير عشرات الملايين من الناس وظائفهم. وهذا يعني أيضاً أن شريحة كبيرة جداً من السكان تتأثر بشكل مباشر بقوة سوق العمل.
لحسن الحظ اليوم، لست مضطراً لاتخاذ قرار بشأن ما ينبغي لهاريس أن تقوله عن سوق العمل والاقتصاد، فأنا مجرد خبير اقتصادي، ولست مستشاراً سياسياً. وسأقول إن سوق العمل تسير على ما يرام وفقاً لأي معيار تاريخي. وقد تكون أفضل، ولكن انخفاض معدل البطالة وارتفاع الأجور الحقيقية بسرعة يشكلان قصة أفضل من أي إدارة قائمة منذ عام 2000.
*المدير المشارك لمركز البحوث الاقتصادية والسياسية الأمريكي «أوراسيا ريفيو»
https://tinyurl.com/4jk8bm7c