مهند الوادية*
يتساءل الكثيرون من العاملين في مختلف قطاعات الأعمال الاقتصادية عامة وتحديداً العقار في دبي، عما إذا كان العالم مقبلاً على أزمة اقتصادية عالمية جديدة شبيهة بالعام 2008، وما القطاعات الأكثر تأثراً عن غيرها، وما التوقعات المحتملة للمشهد العام في الفترة المقبلة.
في هذا الشأن، لنا وجهة نظر مختلفة قد لا تتفق مع الكثيرين من الخبراء والمحللين وأهل العلم والمعرفة في الشأن الاقتصادي، حيث نرى أننا في قلب العاصفة (الأزمة)، ونقترب من الخروج منها.
يواجه العالم اليوم 4 أزمات معقدة ومتداخلة تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد العالمي وأسواق الاستثمار، بما في ذلك السوق العقاري. بين التوترات الجيوسياسية، والتغيرات البيئية، والأزمات الصحية المستمرة، وتحديات الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يتطلب من المستثمرين والشركات أن يكونوا أكثر حذراً ومرونة في استراتيجياتهم المستقبلية.
هذه الأزمات على الرغم من تأثيراتها السلبية في المنظومة الاقتصادية العالمية، وأسواقنا المحلية في دبي، جزء لا يتجزأ منها، فإن هنالك الكثير من العوامل التي نتمتع بها في نفس الوقت لتسهم في القدرة والمرونة والسرعة في تجاوزها بقيادة وحكمة قيادتنا الرشيدة.
* الأزمات العالمية الأربع وتأثيراتها في المستوى العالمي:
1 الأزمة الجيوسياسية: التوترات الجيوسياسية تصاعدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بدءاً من الصراع الروسي الأوكراني وصولاً إلى النزاعات في مناطق مختلفة من العالم، والتي تؤثر في الأسواق بطرق متعددة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة وتعطيل سلاسل التوريد العالمية.
2 الأزمات الاقتصادية العالمية: الاقتصاد العالمي يمر بتحديات كبيرة بسبب التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، واضطرابات سلاسل التوريد. هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر في جميع القطاعات، بما في ذلك العقارات. في دبي، ورغم التحديات، حافظت السوق العقارية على جاذبيتها للمستثمرين بفضل البيئة التنظيمية المشجعة والطلب المتزايد على العقارات من المشترين المحليين والدوليين.
3 الأزمة البيئية: تغير المناخ والتحديات البيئية أصبحت من القضايا الرئيسية التي تؤثر في الاقتصاد العالمي، حيث إن الزيادة في الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والأعاصير وحرائق الغابات حول العالم تؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة. الإمارات لم تكن بمنأى عن هذه التأثيرات، حيث شهدت أول فيضانات كبرى منذ عقود. ومع ذلك، تعاملت دبي بسرعة مع هذه التحديات عبر تحسين وتطوير بنيتها التحتية للتعامل مع هذه الظروف الطبيعية الاستثنائية. كما أطلقت مبادرات لتعزيز الاستدامة، مثل الخطة الحضرية 2040 التي تهدف إلى جعل دبي مدينة مستدامة وصديقة للبيئة.
4 الأزمة الصحية: جائحة «كوفيد-19» كانت نقطة تحول كبيرة للاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من تراجع تأثير الجائحة بشكل عام، فإن العالم لا يزال يشعر بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. دبي كانت من المدن التي تأثرت بشكل كبير بالجائحة، خاصة في قطاع السياحة، إلا أن استجابتها كانت سريعة وفعالة لتتصدر الأسواق العالمية كأول دولة تتعافى من الجائحة.
وتعتمد استجابة الأسواق للأزمات على ما يلي:
1 البنية التحتية والتطور المستمر.
2 الاستقرار السياسي.
3 التخطيط طويل الأمد.
ورغم التحديات التي تواجه العالم، تقدم دبي فرصاً استثمارية واعدة على المديين القصير والطويل. بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي، والبيئة التنظيمية القوية، والبنية التحتية المتطورة، تظل دبي واحدة من أكثر الوجهات جاذبية للاستثمار العقاري، وهذا يعود إلى النقاط الآتية:
1 زيادة الطلب على العقارات.
2 تدفق رؤوس الأموال العالمية.
3 الاستدامة كميزة تنافسية.
الخلاصة والاستنتاج: بفضل استراتيجياتها الاقتصادية الطموحة واستقرارها السياسي، تؤكد دبي مكانتها كوجهة استثمارية آمنة وقادرة على التعامل مع الأزمات العالمية المتزايدة، وتستفيد من تدفق رؤوس الأموال الباحثة عن ملاذات آمنة وسط الاضطرابات العالمية.
بناء على ما تقدم، نستطيع أن نصل إلى 5 نقاط رئيسية حول مكانة دبي كوجهة استثمارية مستقرة وآمنة وسط الأزمات العالمية المتزايدة، مع التركيز على عوامل النجاح التي تدعم جاذبيتها للاستثمار، وهي:
* أولاً: دبي وجهة آمنة: بفضل البنية التحتية المتقدمة والاستقرار السياسي، تُعد دبي ملاذًا آمناً للاستثمار وسط الأزمات العالمية، سواء كانت بيئية، سياسية، أو اقتصادية.
* ثانياً: الاستراتيجيات طويلة الأمد: دبي تعتمد على استراتيجيات اقتصادية مثل خطة دبي الاقتصادية «D33» التي تستهدف مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وخطة دبي الحضرية 2040 لزيادة عدد السكان وتعزيز الاستدامة، ما يدعم مستقبل المدينة كوجهة استثمارية.
* ثالثاً: تأثير التوترات الجيوسياسية: دبي تستفيد من موقعها بعيداً عن النزاعات المباشرة، ما يجعلها ملاذاً آمناً لرؤوس الأموال الهاربة من المناطق المضطربة.
* رابعاً: الاستدامة والتطوير المستمر: تسعى دبي لتعزيز الاستدامة عبر مشاريع البنية التحتية المستدامة وتشريعات بيئية، وهو ما يجعلها وجهة مفضلة للاستثمارات الصديقة للبيئة.
* خامساً: دعم الاقتصاد خلال الأزمات: دبي أثبتت قدرتها على التعامل الفعال مع الأزمات، مثل جائحة «كوفيد-19»، من خلال سياسات الدعم الاقتصادي والاستجابة السريعة، ما عزز قدرتها على العودة بسرعة للنشاط الاقتصادي.
*خبير عقاري ومحاضر في معهد دبي العقاري والمدير التنفيذي لشركة «هاربور» العقارية