الحمد لله على نعمة لساننا العربي المبين والشكر له الذي خصنا بهذه اللغة المتفردة بالخلود دون غيرها، فكم من لغة على وجه البسيطة قد تحولت وتبدلت أو تغيرت من حالٍ إلى حال، فالإنجليزية التي عاشت قبل شكسبير لا يكاد يفهمها أحد في زمنه، والتي عاشت في زمنه بكل أصوات حروفها ومفرداتها غير الموجودة حالياً، والفرنسية التي كانت لسان أهلها في القرن الرابع عشر لا وجود لأصلها وتأصيلها في وقتنا الحالي، بينما لا نزال نحن نقرأ ونفهم وندرك أشعار امرئ القيس والنابغة الذبياني بكل سهولة ويسر، بل لا نزال نروي تراثنا العريق ونتجاذب أطراف الحديث الأنيق بالبريق ذاته ونستشهد بكل ما كان يدور من خطب وأمثال في أسواق ما قبل الإسلام من غير أي صعوبة تذكر، وكأننا نعيش أدب زمان أسلافنا الأقدمين بكل أبجديات لغتهم وبكل مضامين تلك اللغة بياناً وتبياناً معنى ومبنى.
الحمد لله الذي حبانا بلغة الفرقان العظيم وجعلنا أمة القرآن الكريم الذي أنزل بلسان عربي مبين، و جعلنا جيلاً بعد جيل نحب حتى النخاع ونود إلى ما بعد الفناء لغتنا العربية التي ندرك عظمة قيمتها الدينية ونقدر علو قامتها البلاغية ودورها المجتمعي في توطيد الاعتصام بحبل الله المتين، ونعلم علم اليقين بأهمية حراكها الذي يغرس القيم النبيلة وينشر الذوق العذب والإحساس الراقي في جزالة التعبير ويشجع على امتلاك نواصي العلم المفيد، قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «تعلموا العربية فإنها تثبت العقل، وتزيد المروءة»، وقال الإمام الشافعي: «على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغ جهده في أداء فرضه»، ويقول الإمام الشاطبي: «إن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم».
يقول أبو حيان التوحيدي: «البيان عن البيان صعب» فمن يمتلك بلاغة الحديث، وتوظيف فنون القول، ويعرف علاقة اللغة بالدماغ، يسهل عليه أمر التأثر والتأثير لما للغة من دور مهم في تغير فهمنا للعالم، ولما لها من تأثير في سلوك المتكلمين والمتلقين، ويقال: إن اللغة الراقية تدل على رقي أمتها، وبما أننا ننطق العربية، أجمل لغات الكون والأوفر حظاً بعدد مفرداتها إذا قورنت باللغات العالمية الأخرى، والأكثر تأثيراً بجرسها الموسيقي المتشح بالقوافي والسجع وبالمحسنات البديعية وبما لا يتسع حصره هنا، ناهيك عن طول مخارج عدد أصواتها وحروفها وحركات ضبطها الرئيسية الثلاث الفتحة والضمة والكسرة، فهي المتفردة بطبقات الصوت التي تخرج من أطول مدرج صوتي عرفته اللغات الذي يبلغ طوله ما يقارب الستة والأربعين سنتيمتراً بينما يبلغ طول مسار صوت اللغتين الإنجليزية والفرنسية ما لا يتعدى خمسة سنتيمترات، وبالتالي يقودنا هذا إلى كشف أحد أسرار اهتمام الجامعات العالمية باللغة العربية وشدة الإقبال على تعلمها وتعليمها لما لها من صفات وسمات تجعلها الأكثر جذباً، وإثارة وتشويقاً ولما لها من مقدرة على تحدى الزمان بأبعاده وظروفه وصروفه المختلفة.
الحمد لله أننا نعيش في عصر صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لنرى بأم عيون قلوبنا الإنجازات العظيمة التي لا تعد ولا تحصى وننتشي فرحاً بهذا المشروع اللغوي الذي سخّر له سموه الغالي والنفيس من الوقت والمال في سبيل خدمة لغتنا في كل المجالات وأعني هنا المعجم التاريخي الذي يتضمن ذاكرة كل لفظ من ألفاظ اللغة العربية، ويسجل حسب تاريخ ظهوره بدلالته الأولى وتاريخ تحولاته الدلالية والصرفية ومكان ظهوره، مع توثيق تلك الذاكرة بالنصوص التي تشهد على صحة المعلومات الواردة، وقد أعلن سموه في 30 سبتمبر من العام الحالي عن انتهاء طباعة الـ127 مجلداً للمعجم التاريخي للغة العربية، وإطلاق الموسوعة العربية الشاملة التي تضم كما أشار سموه كل المصطلحات العربية في العلوم والآداب والفنون والأعلام.
الحمد لله رب العالمين على نعمة لغتنا العربية وعلى نعمة سلطان العلم والفكر المعلم والقدوة والحاكم المحب والوفي للغتنا العربية، الذي لم يترك شاردة أو واردة في سبيل خدمتها إلا وكان سموه يدعمها بكل السبل، فهو الحريص أشد الحرص على الحفاظ على لغتنا وعلى وجودها في كل المحافل والمعامل ومراكز البحوث، فالشكر لسموه على إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية وقبل هذا على مجمع اللغة العربية في الشارقة وعلى اهتمامه بوجود اللغة العربية ورقياً وإلكترونياً، وبكل ما يعمل على تأصيلها ونشرها عبر معرض الكتب و الفضاء الإلكتروني ونقلها إلى الأمم الأخرى.
https://tinyurl.com/56npafkf