يوسف أحمد آل علي*
في خضمّ التحديات المتزايدة التي تواجهها الحكومات والشعوب في مختلف أنحاء العالم لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة، تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز استخدام الطاقة المتجددة كجزء من رؤيتها لتحقيق الاستدامة. ومن أبرز المبادرات التي تم الإعلان عنها مؤخراً في هذا الإطار مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة التي أطلقتها شركة الاتحاد للماء والكهرباء، بالشراكة مع وزارة الطاقة والبنية التحتية، لتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة في المناطق الشمالية من البلاد، عبر تركيب ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح، حيث يتاح للمتعاملين في المنازل والشركات إمكانية توليد الطاقة النظيفة، مع تحقيق وفر في تكاليف الاستهلاك، فضلاً عن الإسهام في تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية على حد سواء.
لقد تضاعف الطلب على الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، ويسهم النمو السكاني المتسارع والتوسع الكبير في البنية التحتية في زيادة الضغط على الموارد الحالية للطاقة، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف بالنسبة للمتعاملين. وفي مواجهة هذا الطلب المتزايد، برزت الحاجة إلى حلول مبتكرة ومستدامة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة، دون الإضرار بالبيئة.
لطالما كانت الطاقة الشمسية عنصراً أساسياً في تحقيق الاستدامة، ولكن التحدي كان يكمن في كيفية توسيع نطاق الاستفادة من الطاقة الشمسية لتشمل المنازل والشركات إلى جانب المحطات الكبرى المستخدمة في توليد هذا النوع المتجدد من الطاقة، وجاءت مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة لتلعب دوراً محورياً في مجابهة هذا التحدي.
كيف تعمل أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة (DSS)؟
من خلال مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة يتاح لمتعاملي شركة الاتحاد للماء والكهرباء من أصحاب المنازل والمنشآت الصناعية في شمال الإمارات، فرصة تركيب ألواح شمسية على أسطح منازلهم ومرافقهم، ما يمكّنهم من توليد الطاقة الشمسية بشكل مباشر، وضخها في شبكة الطاقة الوطنية.
من الناحية التقنية، سيحصل المتعاملون المشاركون في المبادرة على ألواح شمسية تُثبّت على أسطح ممتلكاتهم، وسيتم تركيب عدادَين بالمنشأة، أحدهما يقيس كمية الطاقة التي يتمّ تصديرها إلى الشبكة، والآخر يقيس كمية الطاقة المستوردة منها، وفي نهاية كل شهر، ستتم المقارنة بين كمّيتيّ الطاقة المصدرة والمستوردة، وسيحصل المتعاملون على أرصدة طاقة مقابل ما يسهمون به في الشبكة.
ومن أهم الحوافز التي تقدّمها المبادرة للمتعاملين، هي خفض قيمة رسوم استهلاكهم، وذلك من خلال أرصدة الطاقة المضافة على حسابهم، والتي تكون قابلة للاستخدام خلال نفس السنة المالية. هذا النظام يقدم حلاً عملياً ومستداماً، يسهم في تحقيق التوازن بين الطلب المتزايد على الطاقة وتكاليف استهلاكها.
وتعكس مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة التزام دولة الإمارات بتحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة، فقد حدّدت الدولة أهدافاً وطنية طموحة ضمن استراتيجيتها للطاقة 2050، تتضمن من بين ما تتضمنه زيادة حصة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإجمالي إلى 30% بحلول عام 2030. ومن خلال هذه المبادرة، تسعى شركة الاتحاد للماء والكهرباء وبالتعاون مع وزارة الطاقة والبنية التحتية، إلى الإسهام بفعالية في تحقيق هذا الهدف، من خلال تعزيز الاعتماد على الطاقة الشمسية كمصدر رئيس للطاقة النظيفة والمتجددة، فهي مورد طبيعي غير محدود، خاصة في بلد مثل الإمارات حيث تتوافر أشعة الشمس طوال أيام السنة تقريباً. من ناحية أخرى، فلا خلاف على أن تلك المبادرة تمثل أيضاً خطوة استراتيجية نحو تحقيق هدف الإمارات في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ولا تقتصر فوائد مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة على المجال البيئي فحسب، بل تمتد لتشمل أيضاً تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث ستسهم المبادرة في خلق فرص عمل جديدة في مجالات تركيب الألواح الشمسية وصيانتها، بالإضافة إلى دعم سلاسل التوريد المحلية المتعلقة بتكنولوجيا الطاقة الشمسية. كما أن زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة سيقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما سيؤدي إلى خفض تكاليف الطاقة على المستوى الوطني.
وتفسح مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة المجال أمام استخدام التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية في تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، إذ يمكن أن تدعم تلك التقنيات جهود التنبؤ بالطلب على الطاقة، ما يمكّن الحكومة والشركات من إدارة موارد الطاقة بكفاءة أكبر.
على الرغم من العوائد الكبيرة التي تقدمها مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة، إلا أن تنفيذ هذه المبادرة على الأرض يفرز بعض التحديات التقنية والتنظيمية، فتركيب الألواح الشمسية يتطلب التزاماً صارماً بالمواصفات الفنية ومعايير السلامة لضمان كفاءة الأنظمة وأمانها.
وبناء على ذلك، قامت شركة الاتحاد للماء والكهرباء بالتعاون مع وزارة الطاقة والبنية التحتية، بتطوير لوائح توجيهية شاملة لضمان الامتثال للمعايير الفنية المطلوبة، كما تمّ توفير قائمة بالمقاولين المعتمدين والمدربين على تركيب الألواح الشمسية وفقاً للاشتراطات والمعايير المطلوبة.
لا شك أن مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية الموزعة في شمال الإمارات، خطوة رائدة نحو تحقيق مستقبل أكثر استدامة، فهي ليست مجرد وسيلة لتخفيض تكاليف استهلاك الطاقة على المتعامل فحسب، بل أيضاً جزء من التزام الإمارات بتحقيق أهدافها الوطنية في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة.
وفي ظلّ تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة المتجددة وارتفاع الطلب على مواردها وأدواتها، تشكّل هذه المبادرة نموذجاً يحتذى للدول الأخرى التي تسعى إلى تحقيق توازن بين توفير الطاقة والنمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، ومن خلال هذه الخطوة، تثبت الإمارات مرة أخرى أنها رائدة في الابتكار والحلول المستدامة.
*الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد للماء والكهرباء