سارة بلحيف النعيمي*
في عالم يزداد تعقيداً وتنافسية، لم يعد نجاح التجارب التنموية في المنطقة والعالم رهناً بتوفر رأس المال أو الموارد التقليدية، بل أصبح محركه الأساسي هو القدرة على الابتكار وتحويل الأفكار إلى مشاريع تؤثر في المستقبل. وهذا التحول لا يمكن أن يتحقق إلا بتوجيه طاقات الشباب نحو ريادة الأعمال، وتغيير فهمهم لها من مجرد مسار مهني إلى رؤية شاملة لمستقبل الاقتصاد. خلال الأشهر القليلة الماضية، عملنا في مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع) بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في الشارقة على تقرير شامل يعكس بوضوح هذا التوجه وهذه الرؤية، وما جاء لافتاً فيه هو أن 14% من الطلاب الإماراتيين يسعون لبدء مشاريعهم الخاصة فور تخرجهم، و17% من الطلاب المشاركين في الاستطلاع لديهم رغبة عميقة في أن يصبحوا رواد أعمال.
تشير هذه النسب إلى تحول جذري في ذهنية ووعي الجيل الجديد، الذي لم يعد ينتظر الفرص بل يسعى لاستحداثها، ولكن ما يجعل هذه الأرقام أكثر أهمية هو السياق الذي جاءت فيه، فخلال عام 2018، كان 5% فقط من الطلاب يخططون لبدء مشاريعهم الخاصة بعد التخرج، بينما اليوم، وبعد مرور بضع سنوات، تضاعفت هذه النسبة بشكل كبير، ما يعكس حجم التغيير الذي طرأ على تصوّر الشباب لمفهوم النجاح والابتكار والمساهمة في مشاريع وخطط التنمية التي تتبناها دولة الإمارات والمنطقة.
تُعتبر الثقة بالنفس أحد العناصر الأساسية في هذا التحوّل، فقد بيّن التقرير أن معدل الكفاءة الذاتية لريادة الأعمال لدى الطلاب بلغ 71 من 100، وهو رقم يتجاوز المتوسط العالمي ب 16 نقطة، وهذا أمر نفخر به، ويعكس نجاح البيئة الداعمة في الشارقة، التي لا تكتفي بتقديم المعرفة النظرية للشباب، بل تتيح لهم الفرصة لتحويل أفكارهم إلى تجارب حية تمتلك كافة مقومات النجاح.
ومع ذلك، هناك مؤشرات تستدعي التأمل، فعلى الرغم من أن نصف الطلاب المشاركين في التقرير ينتمون إلى عائلات تمتلك أعمالًا تجارية، فإن 6% فقط منهم أبدوا اهتماماً بالانضمام إلى أعمال عائلاتهم، وإذا كان هذا يعكس شيئاً، فإنه يعكس تغيّراً في طموحات وتطلعات الشباب، الذين يفضلون بناء شيء جديد بأنفسهم بدلاً من الاستمرار في مسارات موجودة مسبقاً. من هنا، سنواصل العمل في «شراع» على تمكين الشباب وتزويدهم بالأدوات التي يحتاجون إليها لتحويل أفكارهم إلى أعمال حقيقية، وهدفنا ليس فقط تعليمهم كيفية النجاح، بل منحهم مساحة للتجربة والإبداع والتعلم من التحديات التي قد تواجههم.
ويمكن القول، إن هذا التقرير يمثل دليلاً واضحاً على أن الشارقة تقود حركة ريادية جديدة قائمة على تمكين العقول الشابة، وتشجيعها على الابتكار بعيداً عن المسارات التقليدية المشبعة، وهذا التوجه لا يمثل رؤية لمستقبل إمارة الشارقة وحسب، بل للمنطقة بأكملها، حيث يكون للشباب الدور الأكبر في بناء اقتصادات مرنة ومستدامة.
* المدير التنفيذي لمركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع)