د. صلاح الغول
بوساطة أمريكية-فرنسية، تم التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، ودخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، بعد أكثر من عامٍ من المناوشات عبر الحدود، تحولت إلى حربٍ مفتوحة منذ 23 سبتمبر(أيلول) الماضي، ويقضي الاتفاق بهدنة مؤقتة مدتها 60 يوماً، ينسحب خلالها الطرفان من جنوب لبنان لينتشر فيه الجيش اللبناني، وتفكّيك البنى التحتية العسكرية التابعة لحزب الله جنوبي نهر الليطاني، وتحكم الجيش اللبناني في الأسلحة والمنشآت العسكرية في المنطقة، كما ينص الاتفاق على عدم اتخاذ إجراءات هجومية من الجانبين، والالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، واحتفاظ كلٍ من إسرائيل ولبنان (أو حزب الله) بحق الدفاع عن النفس إذا تعرضا للهجوم من الطرف الآخر، وتتم مراقبة الامتثال للاتفاق من قبل لجنة مشتركة برئاسة الولايات المتحدة، على أنْ تستمر المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان حتى يتم التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وترسيم الحدود بين البلدين.
وليس الغرض من هذا المقال تقييم الهدنة المؤقتة، التي تُعد متوازنة على أية حال، ولكن اختبار إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار.
والواقع أنّه منذ دخول الاتفاق حيز النفاذ، تعددت الخروقات الإسرائيلية له لدرجة أنّ الولايات المتحدة وفرنسا حذرتا حكومة اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو من انهيار الهدنة نتيجة هذه الخروقات، بل إنّ بعض المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أن الإسرائيليين يلعبون «لعبة خطيرة»، وبعث الموفد الأمريكي الخاص إلى لبنان، عاموس هوكشتين، رسالةً أبلغ فيها المعنيين بوجود انتهاكات من جانب إسرائيل للاتفاق، معرباً عن قلقه بشأن ضرباتها المستمرة في لبنان، ونصحه للإسرائيليين بإفساح المجال لآلية مراقبة وقف إطلاق النار. وبرغم تفاؤلها السابق بشأن آفاق الاتفاق، أخذت الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق من احتمال انهيار وقف إطلاق النار.
وفي هذا الخصوص، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان بشكل يومي بوجود «انتهاكات متواصلة لوقف إطلاق النار» من جانب القوات الإسرائيلية، وتنوعت هذه الانتهاكات بين القصف المدفعي والرشق الرشاش لبلدات لبنانية حدودية، والغارات الجوية، وعودة المسيرات الإسرائيلية للنشاط في سماء بيروت، واختراق الطائرات الحربية حاجز الصوت فوق الأجواء اللبنانية.
وهكذا، بعد أسبوع واحد على إبرام الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله، سُجّل أكثر من 55 خرقاً من الجانب الإسرائيلي في جنوب لبنان، بل وبلغت الانتهاكات العمق اللبناني. ووصلت الانتهاكات الإسرائيلية أقصاها، في مساء 2 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات على أنحاءٍ متفرقة من لبنان؛ أسفرت عن مصرع وإصابة 13 لبنانياً، وزعمت تل أبيب أنّ هذا الخرق الكبير جاء بُعيد إطلاق صاروخين من جانب حزب الله، للمرة الأولى منذ بدء سريان الهدنة، على موقع عسكري إسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. والحقيقة أنّ الصاروخين كانا ردّا على الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار.
ولعل ذلك ما سرع بالتئام اللجنة الخماسية المكلّفة بمراقبة وقف اطلاق النار، في مقرّ قوات الطوارئ الدولية (اليوينفل) بالناقورة جنوبي لبنان؛ لبحث تدابير تثبيت الهدنة الهشة.
وعلى الأرجح، تراهن الحكومة الإسرائيلية على أن الزمن واستمرار القصف سيعملان لصالحها وسيفضيان إلى إضعاف حزب الله تماماً، في الوقت الذي ستتمتع فيه حكومة نتانياهو بدعم أكبر لأي نشاط عسكري داخل لبنان بعد وصول دونالد ترامب، حليف نتانياهو، إلى البيت الأبيض في يناير(كانون الثاني) المقبل.
ومن المرجح أيضاً أن تعاود إسرائيل استئناف حملة الاغتيالات بعد انتهاء الهدنة، إذ نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» في 24 نوفمبر(تشرين الثاني)، قائمة بقادة حزب الله الذين ما زالوا على قيد الحياة في إشارة إلى أنهم على قائمة الاستهداف المقبلة، وشملت القائمة الأعضاء المتبقين في «مجلس الجهاد» أو «رئاسة أركان حزب الله»، وهم خضر يوسف نادر، رئيس وحدة الأمن الشخصي، وطلال حمية، رئيس وحدة العمليات الخارجية، وهيثم علي الطباطبائي، الذي أصبح أحد «مديري» الحرب التي يخوضها حزب الله وغدا مطلوباً من قبل الولايات المتحدة لدوره في مساعدة الجماعات الموالية لإيران في اليمن وسوريا، بالإضافة إلى محمد حيدر، عقل حزب الله الأمني الاستراتيجي، الذي تم استهدافه من دون أن يصدر أي تأكيد رسمي عن مصيره.
وفي ضوء التطورات المفاجئة والدراماتيكية في سوريا، والتقدم الكبير الذّي أحرزته الفصائل المسلحة، بقيادة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، في شمال غرب ووسط البلاد منذ 27 نوفمبر المنصرم، والتقارير التي تتحدث عن عبور ميليشياتٍ عراقية الحدود إلى داخل سوريا لمساندة القوات الحكومية هناك، وتعهد إيران بمساندة حكومة الرئيس بشّار الأسد مهما تكن الظروف ومهما تكن العواقب، أقول: في ضوء هذه التطورات الدراماتيكية، من غير المستبعد أنْ تُقْدِمَ إسرائيل على توجيه ضرباتٍ استباقية لحلفاء حزب الله (الميليشيات العراقية والإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري)، وقد اجتمعوا جميعاً على صعيدٍ واحد في سوريّا.
وقد تُحفز هذه الضربات الاستباقية حزب الله إلى مناصرة حلفائه، ومعاودة استهداف المدن والبلدات الإسرائيلية في الشمال والقواعد والمنشآت العسكرية في الوسط؛ ما يعني انهيار وقف إطلاق النار المؤقت عاجلاً أو آجلاً.