محمد المطوع*
شهد العالم في العقدين الأخيرين، اهتماماً متزايداً بمصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، التي تُعد الخيار الأمثل لتحقيق الاستدامة البيئية وتحقيق الاستقرار والأمن في الطاقة. في الوقت الذي تسعى فيه الدول المتقدمة إلى تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري واستبداله بطاقات نظيفة، تعمل الدول العربية على تسريع التحول نحو الطاقات النظيفة لمواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية المستقبلية. ولا يمكن إغفال أهمية الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها المنطقة، والتي تُمكّن هذه الدول من تحقيق فرص اقتصادية واجتماعية كبيرة من خلال تبني استراتيجيات وطنية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الطريق نحو التحول للطاقة النظيفة يواجه تحديات جسيمة تتطلب استجابة استراتيجية مدروسة.
تتمتع المنطقة العربية بموارد طبيعية غنية ومتنوعة تسهم بشكل كبير في تعزيز القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة. وتعد الطاقة الشمسية من أبرز مصادر الطاقة في المنطقة، حيث تتمتع الدول مثل الإمارات، والسعودية، ومصر، والجزائر بساعات مشمسة طويلة على مدار العام، ما يجعلها بيئة مثالية للاستفادة من هذه الطاقة. إضافة إلى ذلك، تمتلك بعض الدول العربية إمكانات هائلة لتطوير طاقة الرياح، لاسيما في المناطق الساحلية مثل مصر والأردن. كما تتيح المساحات الصحراوية الواسعة في الدول العربية فرصاً كبيرة لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية في المستقبل.
إن استثمار هذه الموارد بشكل فعّال يتطلب استراتيجيات متكاملة تتواكب مع التطورات العالمية في مجال الطاقة المتجددة، لضمان الاستخدام الأمثل لهذه المصادر الطبيعية.
واتخذ العديد من الدول العربية خطوات مهمة لتطوير استراتيجيات للطاقة المتجددة بهدف تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية وتعزيز الاستدامة البيئية. في مقدمة هذه الدول، تبرز دولة الإمارات التي وضعت خطة استراتيجية للطاقة تهدف إلى تحقيق 50% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، مع تطوير مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية.
إلى جانب الإمارات، تعمل دول أخرى مثل السعودية ومصر والجزائر على تسريع تحولها نحو الطاقة المتجددة. حيث أطلقت السعودية رؤية 2030 التي تتضمن مشاريع طاقة متجددة ضخمة مثل «مشروع نيوم» للطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتسعى مصر إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيجها من الطاقات من خلال مشاريع ضخمة مثل «محطة بنبان» للطاقة الشمسية. أما الجزائر، فقد أطلقت خطة طموحة تهدف إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية في المناطق الصحراوية.
وفي سياق موازٍ، يعمل العديد من الدول العربية الأخرى على استغلال إمكاناتها في مجالات الطاقة المتجددة لتحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية، ما يعكس التوجه الإقليمي نحو التحول للطاقات النظيفة في مواجهة التحديات المستقبلية.
وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها الدول العربية في مجال الطاقة المتجددة، فإنها تواجه العديد من التحديات. التي تتمثل في الكلفة العالية للمشاريع في مراحلها الأولى، حيث تتطلب البنية التحتية الحديثة استثمارات ضخمة في التكنولوجيا، هذا ما يشكل عبئاً مالياً على الحكومات في بداية المشروع. كما أن نقص تقنيات تخزين الطاقة في فترات الذروة، حيث تكون الإنتاجية عالية، يمثل مشكلة معقدة بسبب قلة المنشآت والتقنيات المتاحة، ما يؤثر سلباً في استمرارية تزويد الشبكات بالطاقة.
شهدت المنطقة العربية في الآونة الأخيرة العديد من المشروعات الكبرى في مجال الطاقات المتجددة. على سبيل المثال مشاريع دولة الإمارات مثل مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، ومحطة شمس1 التي تعد واحدة من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم. مشروع نور للطاقة الشمسية في المغرب، ومزرعة طاقة الرياح في خليج السويس ومحطة بنبان-مصر، إضافة إلى مشروع البحر الأحمر للطاقة الشمسية ومشروع نيوم في السعودية.
تسهم هذه المشاريع في تحقيق أهداف الاستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يعزز دور المنطقة العربية في التحول نحو الطاقة النظيفة.
إن التحول إلى الطاقة المتجددة ليس مسألة بيئية فقط؛ بل هو أيضاً عامل محوري في تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية مهمة؛ حيث يسهم هذا التحول في خلق فرص عمل جديدة، خاصة في قطاع التكنولوجيا والإنشاءات، حيث يتطلب بناء محطات الطاقة الشمسية والرياح تكنولوجيا متطورة وكوادر متخصصة.
ويعزز هذا التحول الأمن والاستقرار في الطاقة في الدول العربية من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد. ويعد ضرورة في ظل تقلبات أسعار النفط والغاز، فضلاً عن التحديات السياسية في بعض المناطق المنتجة للطاقة التقليدية.
وأخيراً، يسهـــم التحـــول فـــي تقــليل البصمة الكربونية، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل التحديات البيئية التي يواجهها كوكبنا. إن اعتماد الطاقة النظيفة يمكن أن يعزز صورة الدول العربية على الساحة الدولية بصفتها داعماً رئيسياً للتغيرات المناخية والاستدامة البيئية.
تظل الفرص واعدة أمام الدول العربية للاستثمار في الطاقات المتجددة؛ حيث يتم تطوير العديد من المشروعات العملاقة في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. تشير التوجهات المستقبلية إلى أن المنطقة العربية قد تصبح مركزاً رئيسياً للطاقة المتجددة في العالم إذا تم استثمار هذه الفرص بشكل سليم.
كما أن التحول إلى الطاقة النظيفة سيتيح للدول العربية تأدية دور ريادي في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال.
إن الطريق نحو التحول للطاقات النظيفة في العالم العربي مملوء بالتحديات، لكن الفرص الواعدة التي توفرها الطاقات المتجددة تمثل قوة دفع لتحقيق التغيير. علينا أن نواصل العمل من خلال استراتيجيات مدروسة وتعاون مشترك بين القطاعين العام والخاص لتجاوز الصعوبات وتحقيق طموحاتنا في مجال الطاقة النظيفة.
*الرئيس التنفيذي لمجموعة «دوكاب»