الشارقة: «علاء الدين محمود»
بحضور سمو الشيخ عبد الله بن سالم بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة، رئيس مجلس الشارقة للإعلام، تواصلت مساء أمس، الأربعاء، في نادي الشارقة للصحافة فعاليات النسخة «14»، من المجلس الرمضاني، الذي ينظمه النادي، بجلسة حملت عنوان «الثقافة والتراث في الأدب العربي»، تحدث فيها الشاعر والكاتب السعودي حمود الصاهود وأدارها الإعلامي علي العلياني.
في بداية الجلسة، تحدث العلياني، عن إسهامات الشاعر الصاهود، موضحاً أنه قام بتجربة رائعة وكبيرة في تبسيط الثقافة وجعلها جاذبة، حيث غاص عميقاً في التراث العربي، وتناول دور الشعر والرواية في ربط الأجيال العربية بعضها بعضاً.
بينما أعرب الصاهود عن سعادته بوجوده في إمارة الشارقة التي ظل يحرص على زيارتها في كثير من المناسبات وعلى رأسها «معرض الشارقة الدولي للكتاب»، متناولاً دور الشعر في حياة العرب، وما يقدمه من سلوى للناس رغم المتغيرات الكثيرة، فهو لا يزال يحافظ على مكانته الكبيرة باعتباره المادة الأساسية للعرب فهو بالنسبة لهم في مقام الماء والهواء والغذاء، حيث إن العربي إذ غضب أو فرح عبر عن مشاعره المتباينة تلك شعراً، فهو وسيلته في نقل ما يعتمل في النفس.
*سلوى
ولفت الصاهود إلى أن هناك قصائد عربية في مقام السلوى، مثل قصيدة «المؤنسة» لمجنون ليلى والتي يقول مطلعها «تذكرت ليلى والسنين الخواليا»، وسميت بهذا الاسم «المؤنسة»، لأن صاحبها كان يستأنس بها، بل كانت بمنزلة علاج له، حيث إن «المجنون»، كان يعالج نفسه بالشعر، وما أنشد الأشعار إلا تداوياً من ذلك الحب الكبير لليلى، وصار ذلك الأمر ضمن المفاهيم الحديثة في العلاج النفسي، حيث دخلت الفنون والآداب من شعر ورواية ضمن وسائل العلاج الحديثة.
*مشتركات
وتناول الصاهود العلاقة بين الشعر العربي الفصيح والشعبي النبطي، مشيراً إلى أن الأخير هو ابن شرعي للأول، ويشترك معه في كثير من الأشياء بخلاف الأوزان والأساليب، خاصة في ما يتعلق بالتعبير عن الحياة والمجتمع ورصد اليوميات، وهناك أشياء كثيرة في القصيدة الشعبية تقدم تفسيراً للشعر العربي القديم، جهة التعبيرات والألفاظ النادرة، وكذلك تناول الممارسات العربية التي لا تزال قائمة مثل الارتحال من ديار إلى أخرى، ومن مكان إلى بقعة جديدة، فذلك كان موجود في السابق ولا يزال الشعر النبطي يعبر عنه بكل ما يحمل من صور ومشاعر الوداع والحزن، فهناك العديد من قصائد الوداعيات في الشعر الفصيح والشعبي، وتحمل ذات تلك المشاهد القديمة مثل الوقوف على الأطلال ومخاطبة الديار.
وتحدث الصاهود عن الغريب في الشعر العربي من ألفاظ وتراكيب معقدة، حيث إن ذلك الأمر من الأشياء المنفرة، مستشهداً بما ذكره الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، في مدح الأسلوب الشعري لزهير ابن أبي سلمى الشاعر الفحل، إذ قال في وصف زهير: «كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتتبع حوشيه، ولا يمدح رجلاً إلا بما فيه»؛ أي لا يأتي بالغريب من الألفاظ «الحوشي»، أما المعاظلة فهي مداخلة الكلام بعضه في بعض، وذلك كان مكروهاً ومنفراً في الشعر، فالصعوبة والتقعير اللفظي دليل على عدم البلاغة، بخلاف ما هو سائد، غير أن العديد من مواقع التواصل الاجتماعي صارت تحتفي بالشعر المعقد من باب التحدي في تكرار الألفاظ والجمل مثل قصيدة الأصمعي الشهيرة «صوت صفير البلبل»، التي تحولت إلى «ترند».
*نقلات
وتوقف الصاهود عند الشعر الفصيح الحديث متناولاً تجارب شعراء كبار مثل أحمد شوقي ونزار قباني ومحمود درويش، وغيرهم، موضحاً أنهم أحدثوا نقلات كبيرة، وقدموا الكثير من القصائد التي سرت بين الناس، واستفادوا من التراث العربي القديم، وهناك مدارس وتيارات في ذلك التوجه مثل مدرسة الإحياء والبعث الشعرية، والتي كان شوقي أبرز روادها ومؤسسيها، حيث قدم نصوصاً جارى فيها الكثير من الشعراء القدامى، وذلك يدل على أنه تدرب كثيراً على كتابة الشعر على الطريقة القديمة، وله في ذلك العديد من الأساليب البلاغية، حيث برع في «التشطير»؛ والذي يعني أن يختار الشاعر أبياتاً مشهورة فيقسمها إلى شطرين ويضيف لكل شطرٍ أصليّ شطراً يبدعه هو بما يناسب المعنى واللفظ، ويُشترط ألا يكون التشطير متكلّفاً فيزيد الأبيات حشواً ومعنى زائداً لا ضرورة له، وكذلك كان محمود درويش، حيث حملت قصائده الكثير من أثر الشعر القديم.
*أساطير
وتناول الصاهود الأساطير والخرافات في الشعر العربي، فهناك الكثير من الحكايات والشخصيات المتخيلة قد وردت في القصيدة العربية القديمة مثل العنقاء والغيلان وغير ذلك، وهناك شخصية عوج بن عناق الذي كان يضرب به المثل في طول القامة الخرافي، وفي ذلك الشأن قصائد كثيرة، إذ إن الأساطير مادة ثرية وظفت في الأدب الجاد وغيره، وهناك ما هو أسطوري، وما تحول إلى أسطورة، حيث نسبت إلى عنترة بن شداد، وهو شخصية حقيقية، الكثير من الحكايات الخرافية، وهناك شخصيات تحتمل مثل هذا الأمر، فشخصية حاتم الطائي من شدة كرمها نسبت إليها العديد من القصص في مقام الكرم قد لا تكون حقيقية بالضرورة.
واستعرض الصاهود دور المرأة في الشعر العربي كشاعرة، نافياً ذكورية القصيدة العربية، حيث إن هناك العديد من الشاعرات اللواتي برزن بقوة في مشهد القصيدة، وحمل التاريخ العربي العديد من الإبداعات النسائية، فهناك شاعرات عظيمات منذ الخنساء وحتى نازل الملائكة، كما كان هناك العشرات من النساء اللواتي ينظمن الشعر في دولة الأندلس في الماضي، فشخصية مثل ولادة بنت المستكفي كان لها إسهام عظيم كشاعرة وكصاحبة مجلس شعري، وكذلك عائشة القرطبية التي تمتعت بفهم وعلم وفصاحة شعرية كبيرة.
حضر الجلسة طارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وعلياء بو غانم السويدي، مدير المكتب، وأسماء الجويعد، مدير نادي الشارقة للصحافة.
وسبق تلك الجلسة لقاء جانبي بعنوان «عندما يأخذك المحتوى الرقمي إلى الكتب» وقدمها صانع المحتوى الكويتي فارس عاشور، تناول فيها تجربته الشخصية في صناعة المحتوى وتجاربه الحياتية.