سلطان.. وحياتنا الأدبية

00:54 صباحا
قراءة دقيقتين

محمد عبد الله البريكي
كان لصاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، دورٌ مفصلي في إحياء الشعر واللغة في حياتنا الثقافية والأدبية والمسرحية، فاستعادت القصيدة رونقها، فقد آمن سموّه بالشعر لا كلمةً فقط، بل رسالةً وقيمةً ورؤيةً، فأنشأ المهرجانات، واحتضن الأدباء وجعل من الشارقة منارةً يقصدها الشعراء من أقطار الأرض ليُلقوا قصائدهم على خشبات المسارح وفي قاعات تليق بالشاعر والقصيدة، فيمتزج الشعر بالأداء والقصيدة بالمشهد والكلمة بالضوء. وأسهم بيت الشعر في الشارقة وبيوت الشعر التي أطلقها سموه في الوطن العربي في تأسيس فضاء جديد للقصيدة، حيث لا تكون القصيدة نصّاً للقراءة فقط، بل فعلاً للعرض والحضور، فصرنا نشهد الأمسيات الشعرية المسرحية، التي تتداخل فيها فنون الإلقاء بالحركة والموسيقى وتُصبح القصيدة مشهداً يُرى كما يُسمع، وتُحسّ كما تُفهم.
وحين نتحدث عن الشعر والإلقاء، فإننا نتحدث عن العربي الذي عرف الكلمة، وهو يجلّ الصوت ويراه حاملاً للمعنى وظلّ الإلقاء في وعيه الجمعي أكثر من مجرد أداء، بل هو فنّ ينهض بالكلمة إلى الحياة، ويمنحها من روحه وقسماته ما يجعلها تعيش في المخيّلة كما لو كانت مشهَداً مجسّداً لا قولاً عابراً، فارتبط الشعر بالإلقاء منذ الجاهلية، حين كان الشاعر يُسمع قومه في السوق أو على مشارف الحرب، فتخفُت الأصوات لتُصغي إلى صوت القصيدة.
لكن الإلقاء لم يبقَ على حاله، فقد تحوّل فنّاً له أساليبه وقواعده ولم يعد مجرد ترتيل، بل صار بناءً سمعيّاً بصريّاً يشترك فيه النَفَس والنَبرة والحركة والنظر وأصبح الشاعر أو المؤدي مطالباً بأن يكون صوتاً وجسداً في آن، يُفعّل النص وينقله من صفحته الجامدة إلى فضائه المسرحي، لا ليقرأه فقط، بل ليعيشه على المسرح وبين الناس، حتى أصبح الإلقاء بوابةً كبرى لعودة الشعر إلى صميم الحياة.
إن مسرحة القصيدة لم تأتِ من فراغ، بل كانت استجابةً لتحوّلات التلقّي وسعياً إلى تجديد العلاقة بين النص والجمهور، فالمسرح بوصفه فضاءً حيّاً والقصيدة بوصفها طاقةً جماليّةً، اجتمعا في ما يُعرف اليوم ب«مسرحة القصيدة»، حيث لا تُقرأ القصيدة من الورق، بل تُنطق بروح الممثل وتُقدّم بأداء يعانق الضوء والصوت والحركة.
وفن الإلقاء هنا لا ينفصل عن القواعد الفنية التي تشكّله، فهو يرتكز على علم الأصوات والنبر والتنغيم والوقف والتلوين الصوتي، فأصبحت القصيدة تتقمّص ذاتها وتُعيد إنتاج نفسها عبر الجسد الحيّ، فتكتب وهي تُفكّر في خشبة المسرح، فيصير الشاعر مؤدياً، والمؤدي شاعراً والقصيدة مشهداً.
ومن ثم فإن الإلقاء ليس فنّاً شكليّاً، بل إعادة بعثٍ لروح الشعر ومتى اجتمع الشعر مع المسرح، خرجت القصيدة من عزلتها ولذلك أقول: لا بد من هزة شعرية توقظ المتلقي من نعاس الرتابة.
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"