د. محمد السعيد إدريس
اللقاء الاستثنائي الذي جمع بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في العاصمة القطرية (الدوحة) بترتيب من أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضع أطرافاً عراقية في موقف صعب بخصوص مدى جديتها في رفض زيارة أحمد الشرع للعراق لحضور القمة العربية الدورية المقبلة التي تستضيفها بغداد (17 مايو/أيار المقبل)، خصوصاً بعد أن وجه السوداني دعوة رسمية للرئيس السوري لحضور هذه القمة، التي يمكن أن تكون خطوة مهمة لإعادة دمج سوريا عربياً بعد قطيعة امتدت طويلاً مع أطراف عربية كثيرة، لكن الأهم هو فتح صفحة جديدة من العلاقات العراقية – السورية، وإزالة حواجز الريبة والتشكك من جانب قوى سياسية- طائفية عراقية في النظام السوري الجديد.
فعقب إسقاط النظام السوري السابق (8 ديسمبر/كانون الأول 2024)، تفاقمت المخاوف العراقية بأن العراق «يمكن أن يكون المحطة الثانية لموجة التغيير الجديدة بعد سوريا»، خصوصاً أن إسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد جاء إثر «نكبتين» عربيتين كبيرتين في قطاع غزة وفي لبنان مصحوبتين بتحول جذري في موازين القوى الإقليمية لصالح إسرائيل والولايات المتحدة وضد إيران و«محور المقاومة».
كان هناك «هاجس عراقي» آخر لا يقل أهمية يتعلق بإمكانية حدوث «انتفاضات» لإحداث تغييرات سياسية جذرية أكثر إنصافاً في العراق.
هواجس الخوف هذه حرص رئيس الوزراء العراقي، الذي كان قد قطع شوطاً طويلاً من التعاون والثقة مع الولايات المتحدة، وحاول جاهداً أن ينأى بالعراق عن الصراع الأمريكي- الإيراني، على تبديدها وإنكارها. ففي خطابه بمناسبة الحفل التأبيني للسيد محمد باقر الصدر الرئيس الأسبق ل «المجلس الأعلى في العراق» كان محمد شياع السوداني حريصاً على أن يقول: «هناك من حاول ربط التغيير في سوريا بالحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، وهو أمر لا مجال لمناقشته»، وكان حريصاً على توضيح الموقف العراقي من الأحداث السورية المتلاحقة بقوله: «حرصنا منذ بدء الأحداث في سوريا على النأي بالعراق عن الانحياز لجهة أو جماعة».
على الرغم من ذلك ظل الموقف الرسمي العراقي متردداً في إعلان دعمه وترحيبه بالنظام السوري الجديد، أو تقديم تهنئة للرئيس السوري الجديد بمناسبة اعتلائه منصب الرئاسة، انتظاراً لانكشاف حقيقة مخاوف عراقية تجاه بعض ما حدث وما يحدث في سوريا، مثل أي دور مستقبلي لاتجاهات متطرفة باتت في عصب السلطة السورية الجديدة ولا تخفي خطاباتها الطائفية، والهاجس الأمني من احتمال تمدد جماعات سورية متطرفة نحو العراق، إضافة إلى الحرص الرسمي في بغداد للحصول من دمشق على ضمانات تتعلق بالأمن القومي العراقي، وألاّ يكون نظام دمشق الجديد معادياً للعملية السياسية في العراق.
الأمر المهم بهذا الخصوص أن هذه الهواجس والمخاوف الرسمية العراقية تبددت، بعدما حدد العراق فرض ضوابط جديدة في العلاقة مع إيران، على النحو الذي أخذه وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على عاتقه، بتأكيداته أن العراق أضحى خارج معادلة «محور المقاومة»، حيث جاءت هذه الإشارات العراقية بصفتها رسائل مهمة للحكم السوري الجديد للتحرك الإيجابي نحو العراق خصوصاً بعد الزيارة المهمة التي قام بها رئيس الاستخبارات العراقية حمدي الغزي إلى دمشق، حيث تكشف جدياً أن العراق لديه رغبة جادة للتكيف مع «سوريا الجديدة»، ولعل هذا ما حفز الحكم السوري الجديد بالدفع بوزير خارجيته أسعد الشيباني لزيارة بغداد ولقاء نظيره العراقي.
هذه الزيارة التي تمت يوم 14 مارس/آذار الماضي، أحدثت تقدماً مهماً وثقة متبادلة في العلاقات بين البلدين،
ففي حين تحدث وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن تطلع بغداد إلى تأسيس «مجلس تعاون» بين بغداد ودمشق، والدفع سريعاً ب «غرفة محاربة «داعش»»، ارتقي وزير الخارجية السوري بالحوار بالقول: «إننا شعب واحد وجزء من الأمة العربية». مضيفاً أن «مصائرنا مشتركة، والبلدان يجب أن يقفا ضد التهديدات، ومستعدون للتعاون مع العراق في محاربة «داعش» فأمن سوريا من أمن العراق».
هذه الطمأنة المهمة حتماً كانت لها مردوداتها عند الحكم العراقي، وخاصة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ناهيك عن الدور المهم الذي قام به أمير قطر في جمعه للسوداني مع أحمد الشرع في الدوحة، قبيل شروع السوداني في اتخاذ الترتيبات الرسمية لانعقاد القمة العربية.
هذا معناه أن السوداني لن يسمح لمنظمات عراقية مثل «عصائب أهل الحق» أو «كتائب حزب الله» بإعاقة مشاركة أحمد الشرع في القمة العربية، وهي من يقود حملة ضد الحكم الجديد في سوريا. ولعل الأسابيع المقبلة ستكون كاشفة لحدود العلاقة بين البلدين.