كنوز لا تفنى

كل حدث مهم في حياتك تعيش تفاصيله بمشاعرك ويتسلل إلى أعماقك ويزيد من نبضك ويخفق القلب على إيقاع الفرحة به، تشعر أن تلك الأحاسيس تتضاعف حين تعيشها مع من تحب من أهل وأصدقاء ومقربين.. حتى ذكرياتك تنشط وتخرج من إطار الصور الجامدة في الركن البعيد في العقل والقلب، لتجدها تقفز وتتحرك وكأنها ابنة اليوم أو على الأكثر ابنة الأمس القريب، حين تستعيدها مع كل معارفك والأقربين والمحيطين بك.
ما من ماضٍ إلّا ويعود ليمثل أمامك بأيّ شكل وفي أوقات غير متوقعة، وما من إنسان يمر في حياتك إلّا ويعود طيفه ولو مرور عابر سبيل أو «عابر حديث»، يأتي من يذكره أمامك ويكرّ شريط الماضي.. هنا تلعب السيرة لعبتها، تقفز أعمال الإنسان إلى الصدارة، فمن عمل خيراً وزرعاً طيباً ونثر بذور المحبة في كل مكان، يحين موعد الحصاد في كل وقت يذكره فيه الناس سواء كان على قيد الحياة أم غادر إلى العالم الآخر.. بذور تنمو مدى الحياة ولا تنفك تزهر كلما تعطرت أفواه الناس بذكر صاحبها.
السيرة الطيبة ميراث يتركه الإنسان لأبنائه وأسرته، كذلك السيرة السيئة تطارد أبناء الإنسان وعائلته، فأيهما أفضل؟ أن تعيش وترحل بنقاء القلب أم أن يلعنك الناس أينما كنت فوق التراب أو تحته وكلما تذكروا أعمالك؟!. لا تنظر إلى ما تركه لك والدك ووالدتك من أموال وحجارة ومقتنيات على الرغم من قيمتها المعنوية وما تعنيه لك وما تحتضن من ذكريات؛ إنما الأهم أن تنظر إلى السمعة وما بنوه من تراكمات من محبة الناس واحترامهم وثقتهم، ما عاشوا فيه من عزة وكرامة واحترام وكرم.. كنوز لا تفنى، نرثها والذكي من يختار أن يهتدي بها ويكمل الطريق على نفس النهج بل يزيده بنياناً وجمالاً، ويعمل جاهداً كي يحافظ على صورة أبويه الجميلة فيه، ويضيف لمسات من أعماقه وروحه، ويسعى جاهداً إلى جعل هذا الميراث خالداً، يتناقله الأبناء ويزيدونه عطراً ونوراً من خيرات ما يفعلون ومن فيض أخلاقهم وكرمهم يدخلون البيوت محمّلين بالخير ويخرجون منها مكللين بحب الناس واحترامهم لهم ولآبائهم.
نحن نمشي في الحياة محملين برسائل ومسؤوليات ومؤتمنين على ما زرعوه فينا وسنزرعه في أبنائنا، فالحياة خيارات، إما أن تختار طريق العزلة تاركاً خلفك كل الموروث الأخلاقي وتبقي على خيوط رفيعة هشة تربطك بمن تنتمي إليهم وقد نشأت وتشكلت بينهم ومعهم، وإما أن تختار طريق شد الرباط وتوثيقه رغبة في مواصلة الرحلة مع كل ما ومن يربطك بالماضي والجذور.

[email protected]