الكساد الكبير آتٍ

00:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعنوان المبارزة التي تهز العالم أصدرت مجلة «ليسكبريس» الفرنسية غلافها لهذا الأسبوع بصورة بخلفية سوداء تجمع الرئيسين الصيني والأمريكي في حالة تحدي. المجلة تتساءل في عنوان ملفها الرئيسي كيف للصين أن تتأهب للصدمة الكبرى مع الولايات المتحدة.. على الرغم من توقع تخبط الصين في مصاعب عقب النظام الجديد الذي فرضه ترامب ولكنها ستصمد أكثر من نظيرتها الولايات المتحدة.
تعترف استراتيجية الأمن القومي الأمريكية بأن الصين هي الفاعل الوحيد الذي لديه «الرغبة والقدرة» على تغيير النظام العالمي وما يجعل الأمور أسوأ -من وجهة نظر أمريكية- أن ذلك الفاعل يأتي من فضاء سياسي وثقافي مختلف تماماً عن الفضاء الغربي الذي هيمنت قيمه وأنظمته على العالم خلال العقود الماضية. ولكن المراقبين يرون أنّ هذه المواجهة الجمركية ستؤدي إلى الكساد الاقتصادي العالمي الأعظم، والذي سينتهي في نهاية المطاف بحرب كونية، كما آلت إليه الأوضاع في ثلاثينات القرن الماضي.
وهو الكساد الاقتصادي العالمي الحاد الذي حدث خلال ثلاثينات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينات انطلاقاً من الولايات المتحدة اختلف توقيت الكساد الكبير في جميع أنحاء العالم. في معظم البلدان، بدأ في عام 1929 واستمر حتى أواخر الثلاثينات كان هذا الكساد هو الأطول والأعمق والأكثر انتشاراً في القرن العشرين ويُعَدُّ أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين ويقول المؤرخون: إنه بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود. يُستخدم الكساد الكبير على نطاق واسع مثالاً على مدى شدة تدهور الاقتصاد العالمي وهو الذي أدى إلى نتائج سياسية مدمّرة لعلّ أكثرها دموية هي الحرب العالمية الثانية.
وقد حذّر السفير الصيني في الولايات المتحدة من أنّ الرسوم الجمركية ستدمر الاقتصاد العالمي وقارن بين الكساد الكبير والرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة عام 1930 واعتبر كيم جيفريز زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب أنه «ليس يوم التحرير، بل هو يوم الكساد» ويرى خبراء أن وطأة القرار ستكون هائلة على الاقتصاد العالمي، ففي عام 2024 استوردت الولايات المتحدة حوالي 3.3 تريليون دولار من البضائع.
وبُعيد بدء ترامب خطابه، تراجع الدولار الأمريكي بنسبة 1% أمام اليورو. وقالت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد: إن ما سيعلنه ترامب «لن يكون في صالح الاقتصاد العالمي، لن يكون في صالح أولئك الذين يفرضون الرسوم الجمركية ولا أولئك الذين يردّون عليها (عبر فرض رسوم مضادة) هذا سيلحق اضطراباً بعالم التجارة كما نعرفه».
وكانت لاغارد قد قالت: «إن هناك العديد من أوجه التشابه بين عشرينات القرن الماضي وعشرينات القرن الحادي والعشرين، مشيرة إلى «انتكاسات في تكامل التجارة العالمية» والتقدم التكنولوجي في كلا العصرين، بحسب ما ذكرته صحيفة «فايننشال تايمز». ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، يحذر الاقتصاديون من أن هذا النمط من تصاعد القيود التجارية قد يشكل أكبر تحول عالمي نحو الحمائية منذ صدور قانون الرسوم الجمركية «سموت-هاولي» عام 1930، الذي أدى إلى انخفاض حاد في التجارة العالمية من خلال رفع الرسوم الجمركية الأمريكية وقتها إلى نحو 20%، ما أدى إلى تدابير انتقامية من الاقتصادات الكبرى.. ويرى الاقتصاديون أن تصاعد الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم وإضعاف التعاون العالمي.
ويرى جون ميرشايمر، عالم السياسة الأمريكي أبرز منظري الواقعية الهجومية، أن الصين بوصفها قوة عالمية صاعدة، تسير على نفس الخطى التي سارت عليها أمريكا قبل عقود، في البداية، تسعى بكين لتكون القوة المهيمنة في محيطها الإقليمي، لكنها تجد أن ذلك المحيط ليس خالياً وأن عليها أن تشتبك مع النفوذ الأمريكي فيه، بداية من تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها والتي تحظى بحماية أمريكية واضحة وصولاً إلى كوريا الجنوبية واليابان وهما خصمان رئيسيان للصين وحليفان رئيسيان للولايات المتحدة يستضيفان العشرات من القواعد العسكرية الأمريكية وعشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين، لذلك مثلما تمثل الصين تحدياً للولايات المتحدة، فإن أمريكا هي أكبر تحدّ للصين لأنها توجد في حديقة الصين الخلفية، مانعة إياها من امتلاك الهيمنة المطلقة في محيطها الإقليمي.
ووفقاً لنبوءة ميرشايمر، فإن الثروة تعد بمثابة «قوة كامنة» بمعنى أن أي دولة تمتلك فائضاً كبيراً منها سوف تتحول إلى قوة عسكرية كبيرة بمرور الوقت وهذا ما حدث فعلاً في الحالة الصينية، ترى نظرية ميرشايمر كذلك في اعتبار احتمال أن الصين ربما تسعى للالتفاف على الوجود الأمريكي مستغلة عامل الزمن من دون الدخول في صدام مباشر، حيث ستعمل على تعظيم قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية وتستمر في اتباع مقاربة دفاعية خاصة في محيط إقليمي مملوء بالكبار أمثال الهند واليابان وبدرجة أقل إندونيسيا، كما أن الردع النووي قد يؤدي الدور الكابح الذي مارسه إبان الحرب الباردة، بالنظر إلى امتلاك كل من واشنطن وبكين أسلحة دمار شامل.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"