حرب تجويع إسرائيلية

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

تجاوز تدهور الوضع الإنساني لسكان قطاع غزة قدرة المجتمع الدولي على الاحتمال، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي والتلكؤ في إدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ مئات آلاف المدنيين الجياع والمرضى، رغم ما تدعيه تل أبيب من تجاوب مع النداءات الأممية والدولية، لكنها في الواقع لا تلتزم بقانون ولا تفي بعهد ولا تحترم أبسط أخلاق الحرب.
المساعدات، التي زعمت إسرائيل دخولها إلى قطاع غزة، لم تصل إلى أهدافها ولم تسدّ رمق الجياع في مختلف أنحاء القطاع، حيث يتكدّس النازحون في العراء، وتحت خيام مثقلة بغبار القصف والغارات، ولا يجدون ماء أو غذاء، ويعيشون في كارثة تعجز الكلمات عن وصفها أو نقل حقيقتها إلى خارج حدود القطاع المدمر.
ومع ذلك تحاول الهيئات الإنسانية فعل المستحيل، وتتكبد المشاق والمخاطر من أجل بلوغ أهدافها النبيلة، لا سيما أن أرقام الكارثة صادمة ومثيرة للقلق، فأكثر من 90 في المئة من سكان قطاع غزة يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وهناك نحو 600 ألف شخص معرضين لخطر المجاعة، في وقت تتعرّض فيه المساعدات الإنسانية المحتجزة على المعابر إلى التلف، وبعضها يتعرّض للنهب عندما تدخل عبر ممرات غير آمنة. ولا شك أن هذا التصرف لم يكن بمحض الصدفة، وإنما سياسة إسرائيلية متعمدة، لحرمان سكان غزة من حقهم المشروع في الحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة.
ليست المرة الأولى التي ترتكب فيها إسرائيل مثل هذه التجاوزات المدانة، لأنها تهرب من أي جهود فعلية لإنهاء هذه الحرب اللعينة، ولا تمتثل لنداءات حماية المدنيين من الإبادة جراء الجوع والأمراض بعدما فعل القصف المدمر والعبثي فعله في نسف كل مقومات العيش، وأحال العمران خراباً والأرض يباباً، وحتى شعلة الأمل، التي ظهرت في الآونة الأخيرة، طمستها إسرائيل، وبدل التجاوب مع الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع، عززت قواتها بفرق وكتائب إضافية، ونشرت خططاً عسكرية توحي بأن هذه الحرب مستمرة بلا أفق أو نهاية وشيكة، في ظل تصاعد الهجمات والغارات مع مستويات مروّعة من الموت والتدمير، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
لقد قضت إسرائيل على كل شيء في قطاع غزة، ومثلما قتلت آلتها الحربية المسعورة النساء والأطفال والأطباء والمسعفين والصحفيين والنشطاء الإنسانيين، قتلت أيضاً القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق وأخلاق الحروب المتوارثة، كما سحلت القيم والمعايير المعتمدة لحماية المدنيين في النزاعات، وهو ما يعني الإصرار والتعمد لقتل 2.3 مليون إنسان فلسطيني، وهي جريمة ربما، لم تحدث بمثل هذه الفظاعة، في الحروب الحديثة.
وهذه الجريمة لن تتحمل وزرها إسرائيل وحدها، بل المجتمع الدولي أيضاً، الذي ما زال يدعي العجز عن وقف هذه الإبادة الشنيعة، ولا يتحرك بالسرعة المطلوبة لإيصال المساعدات الإنسانية وتوفير الممرات الآمنة والدائمة لها بما يحفظ أرواح المدنيين المحاصرين، ويصون شرف القانون الدولي الذي انتهكته إسرائيل وعبثت به أيّما عبث.

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"