عبدالله السويجي
في اللغة، هوّل على، يهوّل، تهويلاً، فهو مهوّل، وجاء في معجم المعاني الجامع: هوّل الصبيان: أفزعهم وأخافهم. وهوّل الأمر: شنّعه وعظّمه وبالغ فيه حتى جعله هائلاً.
وعملية التهويل تقوم بها الدول كما الأفراد بقصد إظهار القوة والتباهي وتوجيه رسائل إلى الآخر: العدو أو المنافس، كما يُقصد بها التمويه وإظهار الأمر على غير حقيقته، وبمعنى مباشر هي أقرب إلى الكذب، وهدفه إخافة الآخر، فتظهر الحقيقة عند الصدام والمواجهة. ويلجأ الأفراد إلى التهويل بقصد توجيه رسائل للأخر أيضاً، وكل الأهداف التي تسعى إليها الدول، لكن الأفراد يتصرفون أحياناً بدوافع خارجة عن إراداتهم، لخلل في نفوسهم، والتهويل، وتستخدم اللغة الإنجليزية مفردة Exaggeration لتؤدي معنى التهويل نفسه، لكنهم يقصدون به المبالغة، ويلجأ الأفراد إلى التهويل أو المبالغة لتعويض النقص في نفوسهم، فيبالغ أحدهم في سرد قصة حصلت معه، أو يبالغ في وصف قوته أثناء مشادّة ونزاع مع الآخرين، أو يبالغ في ذكر ثروته ومقتنياته وغيرها، وهنا يدخل المعنى في إطار الكذب.
هذا الكذب الذي بات مشروعاً في العمل السياسي والعسكري والحملات التضليلية، وهكذا نجد أنفسنا في صلب الموضوع ألا وهو التهويل. وفي عصر ثورة التكنولوجيا والمعلومات والتقنية المتقدمة، وتوفّر وسائل التواصل الاجتماعي للجميع، صغاراً وكباراً، حيث باتت الموثوقية عملية محفوفة بالمخاطر، وسط تدفّق المعلومات الذي لا يتوقّف، ورغم ذلك يقع كثيرون ضحية هذا التهويل، الذي غالباً ما يأتي مقصوداً ونتيجة حملات موجّهة ومدروسة تهدف إلى نشر المعلومات الخاطئة والأكاذيب وخلق حالة من الإرباك.
وعمدت معظم الدول إلى إنشاء جيوش إلكترونية تستخدمها في الأزمات، يظهر أفرادها بأسماء تبدو حقيقية ولكنها مستعارة، مهمتها التشويش، وتشويه صورة دولة أو شخص أو فكرة أو عقيدة أو حزب أو أي شيء آخر، أو تقوم بتضخيم صورة فرد أو دولة أو إنجاز أو أي شيء آخر، وكلاهما يبدو عملاً مشروعاً في إطار التنافس والحروب النفسية والسياسية، لكن هذه الحملات لا تدوم لفترات طويلة وتتوقف بمجرد حل المسألة أو التوصّل إلى اتفاق.
إن أخطر هؤلاء المهوّلين والمبالغين هم من يسعون إلى دب الذعر في قلوب الناس، وجعلهم يعيشون في حالة من عدم الاستقرار والتوتّر والخوف، فيوقف الناس جميع مشاريعهم المادية والأدبية والعاطفية. وفئة من هؤلاء تروّج لفكرة الحرب العالمية الثالثة، ويسوقون براهينهم حتى تبدو الحرب على الأبواب. وهناك من يروّج لحروب إقليمية، كالترويج لحرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، أو استعداد إسرائيل لشن حرب خاطفة على المفاعلات النووية الإيرانية في حال فشلت المحادثات أو المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران.
أما السيناريو الذي يتحدثون عنه منذ فترة، وتشارك به شخصيات إعلامية معروفة هو التغييرات الجذرية التي ستحدث في سوريا على سبيل المثال، أو السيناريوهات المتعلّقة بخطط إسرائيل في المنطقة، وهي الخطط التي يحيونها بين فترة وأخرى وتدب الذعر في نفوس القاطنين على الحدود، ويصف هؤلاء المعارك بأنها ستشبه الجحيم، ويسربون هذه المعلومات التهويلية من خلال مقالات سياسية تحليلية، وهؤلاء غالباً ما يكونون ضد ما يحدث في سوريا، وضد السلام والاتفاقيات والمعاهدات، أي إنهم مدفوعون من قِبل أحزاب وتنظيمات. وهناك فئة تروّج لحروب أهلية مدمّرة ستؤدي إلى دمار وتقسيم وحرائق وغيرها من صور مرعبة. ولن نتحدث مطوّلاً عن أصحاب المخيلات العجيبة، هؤلاء الذين يتحدثون عن هتلر الذي يسكن باطن الأرض، وعن شخوص ماتوا وما ماتوا، إلى آخر ما يمكن أن تصل إليه الفانتازيا من صور.
وفي الواقع، هناك من يتأثر بكثرة الطّرْق ويصدّق القصص التهويلية فتتأثر نفسيته وأسرته بل تسيطر تلك القصص على أحاديثه اليومية مع أصدقائه، وهناك من يرفضها رفضاً قاطعاً ويدعوا الناس إلى اعتبارها نوعاً من التخريف والتجديف، وهناك من يفلسفها فيقول إنه (لا يوجد دخان من دون نار)، ويبقي الباب موارباً لعلّ وعسى. لكن في كل الأحوال هناك محاولات، بغض النظر عن أشكالها ومضامينها وأساليبها، تهدف إلى إفزاع الناس وتخويفهم وجعل حياتهم مريرة.
وفي حال الدول، فإن الدول ولا سيّما أجهزة الاستخبارات، لا تمرّر أي معلومة من دون البحث بشأنها ومصدرها وأهدافها وغير ذلك، ما يعني أن الذين يمارسون التهويل والمبالغات ينجحون بنسب متفاوتة، في ترهيب الأفراد وإشغال الدول، وكما يقال (الطلقة التي لا تصيب تخلق تشويشاً). والرد على تلك الحملات صعبة وتستهلك الوقت والعقل والمال والنفس، إضافة إلى شررها الذي يصيب ويثير الفوضى.
إن الرد على حملات التهويل لا يكون بتجاهلها وإنما بالرد عليها بشفافية عالية، خاصة أنها ليست مجرد إشاعة تُطلق، ولا بأس من إعداد موظفين مهمتهم الرد على المبالغات والتهويلات، ولا أقصد الرد على أي شيء، إنما اختيار الموضوعات التي تشكل تهديداً لنفوس الناس واستقرارهم، وتناولها بذكاء يهدف إلى الإقناع وليس إلى الاستخفاف والتجاهل. أما الأفراد فغالباً ما يُكشفون من خلال معرفة انتماءاتهم، والكذب ليس ملح الرجال دائماً.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







