كثيرة هي النقاط المهمة التي أضاءت عليها «قمة الإعلام العربي»، وكثيرة هي المحطات والكلمات التي استوقفتنا وجعلتنا نلتفت إلى أمور قد تفلت من بين أيدينا دون علم منا، فقط لأن تقلبات الحياة وإيقاعها السريع جداً وتوالي التطورات يجرفنا بعيداً فننشغل عن قضايا أساسية وتفاصيل مهمة في هذا الزمن؛ ومن تلك الكلمات المهمة والمؤثرة، كلمة الدكتور نواف سلام رئيس مجلس الوزراء اللبناني في القمة، والتي دعا فيها الإعلاميين الأحرار ليكونوا «حرّاس الحقيقة، وحلفاء النهوض وصانعي الوعي».
من كلمته نستشف مدى قلقه من الثغرات التي يسببها التطور التكنولوجي وكيف أصبحت الكلمة سلاحاً بيد من يريدون هدم المجتمعات والدول! هو رجل القانون الخبير بأهمية الكلمة وقدرتها على التأثير في الناس، وقدرتها على إبراز الحقائق كما هي أو إخفائها عبر الترويج للكذب الذي يراد منه خداع الناس ليحسبوا أنه الحقيقة.
أصاب رئيس الوزراء اللبناني بقوله إن التقنيات والتكنولوجيا الحديثة أتاحت إرسال ونقل المعلومات أياً كان مصدرها، و«يصعب تعقّب من نشرها أو دسها ولا يمكن التأثير على تفاعلاتها».. فنحن لا نملك القدرة على منع وصول الكثير من المعلومات ولا اختراق بعض المتطفلين هواتفنا وصفحاتنا، ولا نعرف من يقف خلف الكثير من الأخبار التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تنتشر بسرعة شديدة قبل أن يتمكن أي إنسان من التحقق من صحتها ومدى تأثيرها!. غالباً ما يكون المصدر مجهولاً، وغالباً ما يكون المتلقي ساذجاً بسيطاً يصدق كل ما يقرأ ويسمع ويرى، ويمشي في ركب المهللين أو المستنكرين، وربما يعيد نشر المعلومة قبل أن يصله ما يؤكد صحتها من عدمه.
وكأننا نساق لا إرادياً خلف ما يريد افتعاله صناع الفتن وصناع الأكاذيب والأزمات والشائعات، والمؤسف أن تشارك بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة وبعض الإعلاميين غير المهنيين والذين لا يعترفون بقدسية «المصداقية» والأمانة في إيصال الكلمة والمعلومة للناس.. مؤسف أن يكون هؤلاء أدوات تسهم في هدم المجتمعات وتضليل الناس وإثارة الفتن؛ وكما قال الدكتور نواف سلام «إن 58 % من الناس يحصلون على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأكثرها مصادر لا يمكن تحديد مَن وراءها»، لذا المفروض أن يشعر أهل الإعلام بمدى خطورة هذا الانفلات، ما يلقي على عاتق الإعلاميين مسؤولية أكبر في تحري الحقائق قبل نشر المعلومة أو التحدث عنها.
من منظوره فإن قمة الإعلام العربي «ليست مجرد محطة إعلامية، بل حدثٌ استراتيجيٌ في الدفاع عن الكلمة والحقيقة»، وهي كذلك فعلاً، ونتمنى أن يصل صدى صوته إلى كل إعلامي عربي وأن يلبي نداءه كل صاحب ضمير، فيكون أهل المهنة هم «حرّاس الحقيقة وصانعي الوعي وحلفاء النهوض».
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







