نبيل سالم
كل ما يجري في منطقتنا والأحداث الكبرى المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتداعياته على المنطقة وربما على العالم، يشير إلى أن هذا الصراع يمثل في الواقع صاعق التفجير للكثير من الصراعات والحروب المتوالدة تباعاً، وأكبر دليل على ذلك الحرب الدائرة الآن بين إسرائيل وإيران، وقبلها حرب الإبادة الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والحرب على لبنان وسوريا واليمن وغيرها.
ولو تتبعنا سير الأحداث منذ إقامة إسرائيل عام 1948، لوجدنا أن أي دولة عربية لم تسلم من تبعات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما فيها الدول البعيدة جغرافياً عن فلسطين.
والحقيقة التي باتت ظاهرة للعيان، هو أن السبب في استمرار وانتشار الصراع إلى مناطق كثيرة يعود بالأساس، إلى الأطماع الإسرائيلية، وطموحات إسرائيل، لأن تجعل من نفسها القوة الإقليمية الوحيدة المهيمنة في الشرق الأوسط.
وتكشفت هذه السياسة العدوانية بشكل أكبر بعد السابع من أكتوبر، حيث اتخذت إسرائيل من هجوم «طوفان الأقصى» ذريعة لشن حرب إبادة وحشية على قطاع غزة، تهدف إلى القضاء على الشعب الفلسطيني القوة السياسية الأهم في مقاومة المشروع الاحتلالي الإسرائيلي بكل أشكاله، وجاءت هذه الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة متزامنة مع الحرب على لبنان، والاعتداءات على اليمن وقصف سوريا، وأخيراً ما يجري الآن في إيران، حيث تشن إسرائيل حرباً بذريعة القضاء على البرنامج النووي الإيراني، بحجة أنه يمثل خطراً وجودياً عليها وهي واحدة من الذرائع التي تستعملها إسرائيل، لتبرير اعتداءاتها على الدول الأخرى، وتنفيذ أطماعها في الهيمنة عليها.
والحقيقة أنه رغم كل المخاطر التي تحملها السياسة الإسرائيلية المتهورة على مصالح وأمن المنطقة، إلا أن أخطر ما يمكن أن تواجهه منطقتنا الآن وتحديداً في الخليج العربي هي المخاطر النووية، حيث تمضي السياسة الإسرائيلية الرعناء في استهداف المفاعلات النووية في إيران، من دون أي حساب للنتائج التي يمكن أن تترتب على مثل هذا العمل الخطير، ولا سيما في حال استهداف مفاعل بوشهر النووي الذي يقع جغرافياً في مدينة بوشهر على شاطئ الخليج العربي، والذي يستخدم لإنتاج الكهرباء وفيه حسب الخبراء وقود نووي مشع.. ما يعني احتمال حصول تسرب إشعاعي، يشكل خطراً حقيقياً على كل الدول القريبة من المفاعل.
ويزداد الوضع خطورة، إذا علمنا أن هذا التسرب لو حصل، لا قدر الله، من شأنه أن يؤدي إلى تلويث محطات تحلية المياه، وتسمم الثروة السمكية، وتضرر الملاحة البحرية والصيد، ناهيك عن صعوبة الاستفادة من الحقول النفطية والغازية القريبة.
وتزداد المخاوف إذا علمنا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذرت منذ سنوات من ضعف مواصفات الأمان في مفاعل بوشهر، كما حذر خبراء روس في 2023 من أن المنطقة عالية النشاط الزلزالي، ما يزيد خطورة وقوع كارثة حتى دون استهداف عسكري.
ورغم أن الهجمات التي تشنها إسرائيل، ولا سيما على المواقع النووية تعتبر غير قانونية، حيث اعتمدت في حربها على مبررات ما يسمى «بالدفاع الوقائي عن النفس» وهي حجة تتعارض مع القواعد التي تحكم استخدام القوة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الشروط المحدودة لاستخدام القوة التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، حيث تنص قوانين الأمم المتحدة على أن استخدام القوة لا يكون قانونياً، إلا إذا كان الهدف منه صد هجوم وشيك أو هجوم جارٍ بالفعل.
وسبق أن استخدمت إسرائيل المبررات الزائفة نفسها من أجل تبرير هجومها على المفاعل النووي في العراق سنة 1981، وقصف المفاعل النووي السوري المزعوم في 6 سبتمبر/أيلول 2007. في دير الزور شرقي سوريا.
ونظراً للمخاطر التي تحملها السياسة الإسرائيلية المتهورة على المنطقة كلها، دانت المجموعة العربية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، مؤكدة أن ذلك يعد انتهاكاً خطيراً وغير مقبول لنظام الوكالة وللقانون الدولي، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وأكدت المجموعة العربية أن هذه الاعتداءات، تشكل سابقة خطيرة تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتنتهك التزامات المجتمع الدولي بحماية المنشآت النووية السلمية.
كما أكدت وزارة الخارجية الروسية، أن هجمات إسرائيل على المنشآت النووية السلمية في إيران غير قانونية وتدفع نحو كارثة نووية، مؤكدة أن الهجمات الإسرائيلية غير قانونية من منظور القانون الدولي، وتشكل تهديدات غير مقبولة للأمن الدولي، وتدفع العالم نحو كارثة نووية ستكون عواقبها محسوسة في كل مكان، بما في ذلك إسرائيل نفسها.
أخيراً، لا بدّ من القول إن على العالم بكامله، وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التحرك بجدية وسريعاً، لوضع حد للسياسة الإسرائيلية المستهترة، التي ستجر العالم كله إلى الهاوية، فيما لو لم يوضع لها حد، فإشعال الفتيل النووي أمر في غاية الخطورة، ولن تنحصر آثاره في مكان واحد، وإنما يشكل خطراً على الجميع.