الناظر إلى الواقع النووي العالمي يلحظ مجموعة من التناقضات التي تزيد المشهد إرباكاً. على رأس التناقضات يأتي سلوك الدول الخمس النووية المالكة لهذا السلاح طبقاً لمعاهدة منع الانتشار النووي، وهي ذاتها الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي. هذه الدول تقع عليها مسؤوليات كبرى في ما يتعلق بالحد من الانتشار النووي، وأولى هذه المسؤوليات أن تقوم بتخفيضات في ترساناتها النووية، لكن يلاحظ أنه وإن كانت البعض منها قد تخلت عن بعض الرؤوس النووية إلا أنها أضافت رؤوساً أخرى أكثر فتكاً، كما أن الاتهامات المتبادلة فيما بينها على هذا الصعيد لا تخلو من دلالات.
يضاف إلى ذلك أن الخطاب النووي لبعض هذه القوى بات فيه إسراف من حيث التهديد بالاستخدام الفعلي لهذه الأسلحة، وما يزيد من خطورة هذه الأجواء ما حدث من تخلٍ عن اتفاقيات سبق توقيعها في ما يتعلق بعمليات ضبط التسلح ذي العلاقة بالأسلحة النووية. يأتي ذلك في ظل حالة من التوتر بين هذه القوى، وهذا يعطل من فرص التوصل إلى اتفاقيات جديدة.
بعيداً عن الدول الخمس النووية، لا توجد أي مؤشرات على وجود تقدم في محاولات إقناع الدول التي امتلكت السلاح النووي خارج نطاق اتفاقية منع الانتشار بالتخلي عن سلاحها، بل على العكس من ذلك فإن بعضها بات يرفض أي نقاش حول ذلك الأمر، مع المطالبة بالإقرار بوضعها كدولة نووية، وفي حالات أخرى فإن مجرد طرح القضية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتم التصدي له، ليس فقط من الدولة المعنية، بل ومن بعض من يوفرون لها الحماية على الساحة الدولية، مثل إسرائيل، كما أن أصواتاً بدأت تظهر في دول ما زالت مواقفها الرسمية ضد حيازة هذه الأسلحة تطالب بتغيير هذه السياسة.
وهنا يظهر نوع آخر من التناقضات، حيث يتم التشدد حيال دول وغض الطرف عن دول أخرى، وصولاً إلى منع إصدار قرارات دولية بشأنها أو حتى مجرد عقد مؤتمرات لمناقشة ملفها النووي. هذه الازدواجية تحمل مخاطر جمة على صعيد الانتشار النووي، حيث يزداد عناد بعض الدول في ظل هذه المعاملة غير المتسقة.
من أوجه التناقضات أيضاً التصرف بالمخالفة لقواعد القانون الدولي، في ما يتعلق بتحريم مهاجمة المنشآت النووية السلمية تحت أي ظرف من الظروف، ليس فقط لخطورة مثل هذه الهجمات، جراء ما قد يتسرب من إشعاعات، ولكن لأن هناك أطراً وآليات دولية منوطاً بها التعامل مع الحالات التي يُشك بأنها تخالف المعايير الدولية، كما أن مثل هذه الهجمات تباعد التسويات والحلول، وتعقّد الأمور، التي قد تصل إلى نهج حيازة الأسلحة النووية.
يحتاج العالم إلى إرادة حقيقية من أجل التخلص من كابوس الأسلحة النووية، وبلا رجعة، والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدول الخمس النووية.. لا بد من وجود إطار زمني واضح ومحدد للتخلص من هذه الأسلحة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن دون ذلك تبدو الأمور مفتوحة على المزيد من الانتشار النووي مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر. هناك حاجة ماسة لاحترام التعهدات، والالتزام بالقواعد التي تضمنتها المعاهدات الدولية المعنية بهذا النوع من الأسلحة الفتاكة.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







