لم يشهد العالم منذ عقود صراعات دامية، كما هي الحال منذ السنوات الثلاث الماضية؛ إذ دخل الجميع في ثقب أسود عسكري جديد، عنوانه فرض الأجندات بالقوة، وتحقيق المصالح بالقنابل ودانات المدافع، في عالم يُحاط بالكثير من الضبابية، بعدما تحطمت الخطوط الحمر التي لم تكن سائدة أصلاً إلا بالحد الأدنى؛ إذ كان ولا يزال الكيل بمكيالين هو السائد في قضايا عالمية عدة.
تفتقر حرارة الصراعات على امتداد الجغرافيا السياسية العالمية إلى دور المحاكم الدولية، التي باتت عاجزة عن تطبيق الجزء اليسير من قواعد القانون الدولي في أي صراع، ولم يعد بإمكانها إيجاد ولو أبسط الحلول لأي خلاف، أو وقف إبادة واضحة للعيان، كما يحدث في غزة؛ بل إنها أصبحت غيمة تظلل أصحاب القوة والنفوذ، وسحابة عابرة لا تقي حراً، ولا ترد برداً عن الضعفاء، فملخص دورها لا يعدو أن يكون تعبيراً عن القلق أو التحذير، كأنها جمعية خيرية لا تملك غير الكلام فحسب، وليس بيدها أي أوراق فاعلة، تستطيع من خلالها تطبيق القانون على أي متجاوز له.
القانون الدولي عند الكثير من الدول الكبرى أشبه بـ«صنم من عجوة»، وما يحدد دوره، هو رؤية تلك الدول، فإن وافق مصالحها نفّذت قواعده، وإن عارضها ادعت نفادها. ومصالحها تلك إنما تُنشئها على شقاء شعوب أخرى، كما أن هذا القانون يُلوى عنقه، ليناسب مقاسات دول معينة؛ إذ إنه يطبق بشكل كامل على سبيل المثال على روسيا، التي فُرِضت عليها عقوبات عدة لحربها على أوكرانيا، لكنه يتغاضى عن هواية القتل اليومي التي تمارسها إسرائيل في غزة، أو الاعتداء على دول من دون وجه حق، بزعم «حماية للعالم المتحضر».
القانون الدولي غائب، والسائد الآن هو قانون الغاب؛ لذلك تزداد الصراعات وتتجه إلى مناحٍ خطرة، وأصبح سباق التسلح سمة الحاضر، مع إدخال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لزيادة الفتك بالخصوم، ولا يوجد رادع أو قواعد اشتباك كما في السابق؛ لذا فإن هناك مخاوف من انزلاق الأمور إلى حروب مباشرة بين الدول الكبرى، متجاوزة الحرب بالوكالة، كما يحدث في أوكرانيا، أو توسّع دائرة النار في حال انتهك رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الهدنة الحالية مع إيران، وعاود قصفها مجدداً؛ ساعتئذ سيكون الثمن مرتفعاً على الجميع ولا يمكن حصر دائرة النار، أو احتمال عودة الاشتباك في نقاط أخرى كباكستان والهند.
العالم بحاجة إلى إعادة صياغة جديدة للمنظمة الأممية، ومنع تسلط الدول الكبرى عليها واستخدامها لمصالحها، وإلا فإن الحروب الكبرى قادمة لا محالة، ولن يكون هناك مجال لحلها، في عالم سيكون يومها أشبه برمال متحركة تبتلع الجميع.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







