المرأة في السياسة: كيف تعمل؟

03:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة عبدالله تريم

شهدنا في السنوات الأخيرة، زيادة في تمثيل النساء بالحكومات حول العالم، وبعض ذلك يعود إلى اتخاذ إجراءات تسمح بدخول المزيد من النساء في عالم السياسة. أحد هذه الإجراءات، جدلي في جوهره، ومثير للنقاش حتى يومنا هذا، من حيث أنه يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص، أو أنه معادٍ للديمقراطية بشكل صريح. وهذه هي الحصة (الكوتا) المستندة إلى الجنس، والتي تفرضها الحكومات، لضمان تمثيل نسائي كبير. وقد اضطلعت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهذه المسؤولية على نحو متسارع ومتواصل. أحد الأمثلة الرائعة على ذلك، هو المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث زادت حصة المشاركة النسائية إلى 50 في المئة، في محاولة من الحكومة لدعم الدور التشريعي والبرلماني للمرأة في تنمية الدولة. كما تتصدر رواندا هذه القائمة المتزايدة من الحكومات التي تتمتع بأكبر قدر من المساواة بين الجنسين، حيث تشكل النساء 61.3% من مجلس النواب.
تكمن حجة المخالفين لنظام الحصص القائم على الجنس، في النظر إلى مثل هذا التفويض، كأداة متطرفة إلى حد ما، حيث ترى أن النهج الأكثر دقة، هو التركيز على الأسباب الأعمق التي تمنع النساء من الحصول على ترشيحات للمناصب المنتخبة. ومع ذلك، يبدو أن هذه الفكرة تلقى ابتداء قبولاً من أكثر من مئة دولة تعمل على تطبيقها. تشير الإحصاءات إلى أن النساء اللائي يترشحن للمناصب الحكومية، أقل عرضة للفوز بالأصوات، حتى لو كانت حملاتهن أقوى من خصومهن الذكور. ووفقاً لاستطلاع رأي جديد، أجرته مؤسسة «بيو» للأبحاث، على الناخبين الأمريكيين، كان السبب الأكثر شيوعاً وراء وجود عدد أقل من النساء في المناصب السياسية العليا هو أن «النساء اللائي يترشحن للمناصب، يتعين عليهن فعل المزيد لإثبات أنفسهن، أكثر من الرجال». لقد شهدنا ذلك في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة 2019، حيث تم انتخاب عدد ضئيل من النساء من قبل الناخبين في سبع إمارات، على الرغم من أن معظم النساء يتمتعن بخبرة وتأهيل أكثر من نظرائهن الرجال الذين فازوا بمقاعد بأعداد قياسية من الأصوات. من الواضح أن هناك انعدام ثقة اجتماعياً عالمياً، في إشغال النساء لمناصب سياسية عالية، وفي هذه المرحلة الزمنية، فلولا وجود الحصص القائمة على الجنس، لكانت أعداد النساء قليلة، تبقي المرأة بعيدة عن المشاركة في العمل السياسي والحكومي. ولكان ذلك عائقاً خطيراً لجميع البلدان في أنحاء العالم.
لسوء الحظ، فإن هذا التردد وعدم الثقة في قدرة المرأة على لعب دور محوري في السياسة، لا نشهده بين الناخبين فقط، بل نشهده في بعض الأحيان ضمن منصات رفيعة المستوى، صممها أشخاص على دراية كبيرة بعالم السياسة. أحد الأمثلة على ذلك حدث خلال جلسة نقاشية أدارها فريد زكريا المذيع في تلفزيون «سي إن إن»، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا). في هذه الجلسة التي تواجدت فيها قيادات نسائية، كانت سانا مارين، وهي أصغر رئيسة وزراء في العالم، والتي تترأس تحالفاً مع أربع قيادات أخرى في الحكومة الفنلندية، حاضرة أيضاً. خلال هذه الجلسة، طرح الصحفي فريد زكريا بعض الأسئلة الجديرة بالملاحظة على مارين، مشيراً إلى أن قادة التحالف الخمس جميعهن نساء، بالتالي «كيف تتقابلن؟ أين تلتقين؟ كيف تعملن؟»
هذه الأسئلة عن العمل، ومكان وتوقيت الاجتماعات، في جلسة على منصة مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، بإدارة شخصية إعلامية مثل فريد زكريا، أمر مثير للصدمة حقاً. بحذر ومع تلميح ساخر نحو دونالد ترامب، ردّت مارين قائلة: «كيف تعمل الحكومة؟ حسناً. إنها تعمل كما كل حكومة في العالم. لدينا اجتماعات، ونتخذ القرارات، ولا نلتقي في غرفة تبديل الملابس النسائية، لنخوض في أحاديث لا طائل منها». لسوء الحظ، استمر زكريا في طرح مجموعة من الأسئلة المليئة بالتمييز الجنسي، مثل: «في مقابلة سابقة لك، قلت إنكن تتقابلن أحياناً في حمام البخار (ساونا)»، وقد بدا هذا السؤال سيئاً من جانبه، حيث أوضحت مارين أنها كانت مزحة استخدمتها خلال مقابلة معها نشرت في مجلة «تايم».
كانت مشاهدة هذه المقابلة مؤلمة، حينما أجابت مارين عن أسئلة حول زوجها ودورها في الأسرة، علماً بأنها أسئلة لن يطرحها إعلامي على رجل يشغل منصب رئاسة الحكومة. ومع ذلك، كلما كانت المقابلة تتضمن حالة من الإحراج، أصبحت الرسالة التي تقدمها أكثر وضوحاً. ومع احتدام النقاشات، حول ما إذا كانت الحصص القائمة على الجنس في السياسة عادلة أو ديمقراطية بما يكفي، فإن الكثير من النساء في جميع أنحاء العالم، يعملن بلا كلل، حتى لا يتم انتخابهن، واللائي يتخطين هذا الأمر، يتعرضن لأسئلة، لا تتعلق فقط بما أثبتنه، بل تتخذ طابعاً مهيناً بشكل صريح. يجب أن يكون هناك تحول كبير في الطريقة التي تنظر بها المجتمعات إلى النساء في الحكومة، بحيث لا يتم النظر إليهن على أنهن حشو للمقاعد أو إحصائيات على الرسم البياني فقط، بل ينبغي أن ينظر إليهن كعناصر أساسية يسهمن في تحسين العالم.
أصغر رئيسة وزراء في العالم أنهت حديثها بالقول: «أعتقد أنه من الأفضل للجميع، ليس فقط بالنسبة للنساء، أن يكون لدينا نساء يضطلعن بالمسؤولية، بل الأمر أفضل للرجال أيضاً». وهذا هو الهدف النهائي، لانتخاب السياسيين الذين يسعون جاهدين لتنفيذ القوانين التي تتغاضى عن الاختلافات بين الجنسين، والتي هدفها النهائي إنشاء مجتمعات عادلة ومتساوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"