نظام يقترب من نهايته

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

إبراهيم مرعي

هذا المشهد المرعب الذي نراه في أوكرانيا بكل ما يحمله من مخاطر، ومعه الحرب المتعددة الأوجه على الصين هو في نتيجته وتداعياته يتشابه مع ما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية من إعلان عن قيام نظامين عالميين جديدين، الأول سقط مع سقوط عصبة الأمم المتحدة، والثاني بزغ نتيجة الحرب العالمية الثانية بانتصار الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وقيام نظام دولي ثنائي القطب، ثم سقط هو الآخر مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وتربع الولايات المتحدة على عرشه منفردة منذ عام 1991وحتى الآن.

خلال هذه الفترة جرت مياه كثيرة وتحولات كبيرة في مجرى العلاقات الدولية وفي مسار الدول ومراكز القوة، وبرزت عوامل عديدة بدأت تثير قلق الولايات المتحدة في أن تفقد مركز القيادة، خصوصاً في ظل انحدار قوتها العسكرية بعد حربين فاشلتين في أفغانستان والعراق، هما أقرب إلى الهزيمة، وفي ظل الصعود الهائل للصين على المسرح العالمي، اقتصادياً وسياسياً وتقنياً ما بدأ يهدد كل ما بنته الولايات المتحدة من نفوذ وهيمنة وسطوة. ثم في ظل استعادة روسيا قدراتها العسكرية والاقتصادية وتطلعها لاستعادة دور الاتحاد السوفييتي السابق.

ليس سهلاً على الولايات المتحدة التي تمكنت من انتزاع موقعها على رأس النظام العالمي من خلال استراتيجيات تم تصميمها على أساس الانتصار النهائي، أن تسمح لقوى صاعدة في أن تتحداها وتنافسها أو تشاركها في نظام دولي بنته على قياسها وبما يخدم أهدافها، ويحافظ على ديمومتها.

لكل هذه الأسباب، فإننا نرى أن الولايات المتحدة تستجمع كل قواها العسكرية والاقتصادية وتضعها على جبهة مواجهة عريضة تمتد من أوروبا إلى شرق آسيا والمحيط الهادئ، مروراً بالشرق الأوسط وإفريقيا، مع تشكيل أحلاف عسكرية، وإنعاش أحلاف أخرى كانت على وشك أن تلفظ أنفاسها، مع استخدام مفرط لا سابق له لنظام عقوبات خارج القانون الدولي. كل ذلك بهدف تمديد عصر القطب الواحد.

في ظل الإرهاصات الحالية للحرب على الساحة الأوكرانية والمخاطر المحتملة لاتساعها مع ما تحمله من نذر حرب مدمرة، إضافة إلى تسعير المواجهة بشأن الأزمة التايوانية مع الصين، وتصاعد حرب الطاقة، فإن الواقع يقول إن العالم بات على مفترق طرق لا بد أن ينتهي الصراع بتكاليفه الباهظة بقيام نظام دولي جديد يعلن فيه نهاية النظام الحالي.

كانت كلفة النظامين الدوليين اللذين قاما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية باهظة دفعها العالم بملايين الضحايا ودمار هائل، مع استخدام الأسلحة النووية لأول مرة في التاريخ، والنظام الجديد لن يكون أقل كلفة طالما أن من يتسيد النظام الحالي مصمم على ألاّ يترك لغيره دور في تقرير مصير العالم من منطلق الشراكة والمسؤولية والعدالة الدولية، والتخلي عن منطق الهيمنة المطلقة.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4835395c

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"