الصراع على الهوية في الانتخابات التركية

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

وصل التنافس الانتخابي التركي إلى ذروته في ظل أجواء شديدة التعقيد بعد أن أضحى المشهد صراعاً بين كتلتين، والاستطلاعات لم تستطع حسم أي منهما سيكون الفوز من نصيبه. وعلى الرغم من أن معظم الاستطلاعات ظلت، على مدى الشهرين الماضيين، ترجح احتمال فوز مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، لكن الحشود المليونية التي خرجت تساند الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قلبت المعادلة، وفاقمت من تعقيد التوقعات.

الأهم من هذا كله، أن هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى بعد غد لم تعد في ظل هذا الاستقطاب الحاد مجرد صراع تقليدي على السلطة، وهي: تحالف الشعب الذي يتزعمه حزب «العدالة والتنمية»، ويضم أحزاب: «الحركة القومية»، و«الوحدة الكبرى»، و«الرفاه الجديد»، وأخيراً حزب اليسار الجديد المنقسم على نفسه بين من يدعمون خيار رئيس الحزب «أوندر أكساكال» بالتحالف مع الرئيس أردوغان، وبين 74 وزيراً ونائباً سابقاً من قيادات هذا الحزب الذين قرروا الانضمام إلى تحالف المعارضة. أما التحالف الآخر المعارض، فهو «تحالف الأمة» بزعامة «حزب الشعب الجمهوري» ورفاقه في ما يسمى ب«طاولة الستة»، ويضم إلى جانب «حزب الشعب الجمهوري» أحزاب: «الديمقرطية والتقدم»، و«المستقبل» و«الديمقراطي»، و«السعادة»، و«الجيد» (الصالح).

 الصراع بين هاتين الكتلتين تحّول بفعل تطورات الأحداث إلى صراع أعمق حول أهم قضيتين تواجهان أية دولة، وبالتحديد الصراع حول هوية الدولة. هل ستظل ضمن دائرة «العثمانية الجديدة»، رغم عمق تحولاتها في السنوات الأخيرة، كما هي الآن عند الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، أم سوف تعود إلى «الأتاتوركية» التي يمثلها الآن حزب مصطفى كمال أتاتورك، أي «حزب الشعب الجمهوري» بزعامة كمال كليتشدار أوغلو؟ حيث أظهر تكتل تحالف الأمة، وعلى لسان كليتشدار أوغلو، ميوله الغربية والتحالف مع أمريكا والاتحاد الأوروبي ضمن خيار «الحرية والديمقراطية»، مع حرص على استمرار العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وفك الاشتباك مع سوريا، بسحب القوات التركية من سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

 القضية الثانية هي الصراع على التوجهات الاستراتيجية، وهذه تبدو تابعة للقضية الصراعية الأولى، فالصراع على الهوية يحسم قضية التوجه إما إلى «الشرق» والمزيد من الانغماس في القضايا الإسلامية التي تحتل الأولوية عند حزب العدالة والتنمية، وفلسفة «العودة إلى الشرق» كما لخصتها نظرية «العمق الاستراتيجي» كما صاغها منظر الحزب السابق، ووزير الخارجية ثم رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو، الذي استقال وأسس حزباً معارضاً هو «حزب المستقبل»، وإما «العودة إلى الغرب» وإعادة إبراز أولوية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والارتباط الأعمق بالسياسة الأمريكية.

 نتائج الانتخابات لن تحدد من سيحكم تركيا في السنوات الخمس المقبلة فقط، بل ستحدد أي تركيا ستكون، ومع من ستكون تركيا، على الرغم من وجود درجة كبيرة من السيولة بين الكتلتين. فحزب العدالة والتنمية الآن لم يعد هو الحزب الذي كان ينظر له أحمد داوود أوغلو، ويتحدث عن تصفير الأزمات، فقد هجر أوغلو هذا الحزب وزعامته، وسبقه أحد أهم مؤسسي الحزب وهو عبد الله غول، رفيق أردوغان، ولحق بهما على بابا جان أبرز وزراء الاقتصاد في حزب العدالة والتنمية. وانتقال كل من أحمد داوود أوغلو وعلى بابا جان إلى التحالف الذي يقوده «حزب الشعب الجمهوري» المعارض يعني إحداث مزاوجة بين فكرتي «الشرق والغرب»، أو العثمانية الجديدة والأتاتوركية.

 وإذا كان انضمام كل من أحمد داوود أوغلو وعلى بابا جان إلى تكتل المعارضة سيغير حتماً من التوجهات الاستراتيجية وولاءات الهوية عند «حزب الشعب الجمهوري»، وزعيمه كمال كليتشدار أوغلو في حال فوزه على الرئيس أردوغان، فإن الأخير كشف في الأسابيع الأخيرة عن معارضة ملحوظة ضد الولايات المتحدة التي اتهمها بالسعي إلى انقلاب لإسقاط الحكم في تركيا عن طريق الانتخابات. كما أن وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، كشف عن رفض تركيا لعرض أمريكي بنقل منظومة صواريخ «إس- 400» الروسية لدى تركيا إلى أوكرانيا، واعتبر ذلك «أمراً ماساً بالسيادة الوطنية». وفي الوقت نفسه تباهى أردوغان بإطراء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لشخصه في احتفالية المحطة النووية التركية الجديدة التي تبنيها روسيا. إنها تطورات تفاقم من أهمية النتائج المنتظرة للانتخابات التركية بعد ساعات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36d256s8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"