مدمنو رفع القضايا.. والإفلات من العقاب

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

علياء الملا *
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة ‏في العقدين المنصرمين ارتفاعاً في عدد القضايا المنظورة أمام محاكمها، سواء من ناحية القضايا المدنية أو التجارية أو حتى الجزائية، حيث رصدت وزارة العدل زيادة ملحوظة بنسبة 22% فى إجمالي عدد القضايا المقيدة أمام المحاكم الاتحادية في إمارات الدولة، وذلك في العام القضائي 2020/ 2021. ومردّ ذلك إلى عدة أسباب، منها سهولة رفع الدعاوى وسرعة الفصل فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى نمو الحركة الاقتصادية والتجارية في الدولة، مما استتبع زيادة في النزاعات الناشئة عن تلك المعاملات التجارية. ومن ناحية أخرى انتشرت ثقافة الاحتكام إلى القضاء حتى في بعض الأمور التي كان يمكن في السابق حلها ودياً. ولا شك أن سرعة الفصل في القضايا تعدّ إنجازاً للدولة، وإثباتاً أن القضاء في الإمارات قد اكتسب ثقة المتعاملين من مختلف المشارب والجنسيات.

إلا أن تلك المرونة والسهولة والسرعة في التقاضي قد نتجت عنها زيادة هائلة في عدد القضايا وبعضها كيدية، وأدت إلى ضغط على الهيكل القضائي وازدحام أروقة المحاكم بالعديد من القضايا، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى البطء في الفصل فيها وتأخر استحصال المتقاضين على حقوقهم. ويستسهل البعض رفع الدعاوى الكيدية التي ليس لها أساس قانوني متين، وذلك بغرض التهديد أو ممارسة الضغط على الطرف الآخر. وكذلك يلجأ المدعى عليهم إلى تقديم دفوع قانونية غير جدية، وذلك بغرض إطالة أمد التقاضي والمماطلة. وفي كلتا الحالتين يطمئن الطرف الخاسر مدعياً كان أم مدعى عليه أن خسارته للدعوى لن تكلفه سوى رسوم رفع الدعوى ومقابل رمزي لأتعاب محامي الخصم. بينما يكون الطرف الآخر حسن النية قد تكبد مبالغ باهظة من رسوم وأتعاب محاماة وأتعاب خبرة، وغير ذلك من مصاريف التقاضي نتيجة لهذه الدعاوى الكيدية.

وعلى الرغم من أن المادة (133) من قانون الإجراءات المدنية تنص على أنه:

«1. يجب على المحكمة عند إصدار الحكم أو القرار الذي تنتهي به الخصومة أمامها أن تحكم من تلقاء نفسها في مصروفات الدعوى.

2. يحكم بمصروفات الدعوى على الخصم المحكوم عليه فيها، ويدخل في حساب المصروفات أتعاب المحاماة التي تقدرها المحكمة وفق الضوابط والمعايير المحددة في قانون تنظيم مهنة المحاماة وتكلفة ترجمة الإعلان، وإذا تعدد المحكوم عليهم جاز الحكم بتقسيم المصروفات بالتساوي أو بنسبة مصلحة كل منهم في الدعوى على حسب ما تقدره المحكمة، ولا يلزمون بالتضامن إلا إذا كانوا متضامنين في التزامهم المقضيّ به، ولا يتعدد مقابل أتعاب المحاماة بتعدد المحكوم لهم أو المحكوم عليهم أو بتعدد الوكلاء....»

إلا أن تقدير المحاكم لأتعاب المحاماة دائماً ما يكون مبلغاً رمزياً لا يتجاوز ألفي درهم إماراتي. ولم يتغير تقدير المحاكم لأتعاب المحاماة طوال هذه السنين على الرغم من عوامل التضخم وارتفاع كلفة المعيشة والتغيرات التي طرأت على الحياة الاقتصادية. وهذا التقدير الرمزي من قبل المحاكم لأتعاب المحاماة لا يشكل رادعاً حقيقياً من لجوء الأطراف إلى رفع الدعاوي الكيدية أو التقدم بدفوع كيدية لإطالة أمد التقاضي.

ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد، أن النظام القانوني الإنجلوسكسوني في بعض الدول وكذلك التحكيم المؤسسي قد عالجا هذه المسالة؛ حيث يقوم أطراف الدعوى في نهاية المحاكمة بتقديم مطالبات بقيمة التكلفة التي تكبدوها من دون حاجة إلى رفع دعوى مستقلة في هذا الشأن. وتكون طلبات التكلفة هي التكلفة الفعلية لأتعاب المحامين أو الخبراء أو المستشارين التي تكبدها المتقاضون خلال مراحل سير الدعوى. ويتم إثبات ذلك من خلال تقديم اتفاقيات الأتعاب أو الفواتير التي تمّ سدادها بالفعل للخبراء أو المحامين. ولا تخضع هذه الأتعاب لاستنساب هيئة التحكيم أو القضاء لموازنة الأتعاب على معايير كالجهد المبذول أو الوقت المقضي أو خبرة المحامي. ويتحمل الطرف الخاسر تكاليف التحكيم الحقيقية وفقاً لتقدير هيئة التحكيم أو المحكمة في النظام الأنجلوسكسوني. كما يجوز لهيئة التحكيم تقسيم هذه التكاليف بين الطرفين إذا قررت أن التقسيم معقول، مع مراعاة ظروف القضية.

لذلك، فإن ميزات التحكيم وكذلك النظام القضائي الأنجلوسكسوني أنها تجبر الأطراف على التفكير ملياً قبل رفع الدعوى، بحيث يبحث المدعي جلياً عما إذا كانت دعواه قائمة على سند قوي من القانون أم لا، منعاً لتكبد تكاليف باهظة يمكن تجنبها بأخذ الاستشارة القانونية الصحيحة. إن طبقت المحاكم نفس هذا النظام، فقد يؤدي ذلك إلى ردع البعض عن رفع دعاوى كيدية أو تقديم دفوع واهية، مما سيخفف الضغط على الهيكل القضائي، وقد يلجأ الكثير من الأطراف إلى الاستفادة الصحيحة من مكاتب المحاماة وأخذ الاستشارة القانونية بالشكل الصحيح، ومن ثم اتخاذ القرار في رفع الدعوى من عدمه.

* محامية أولى في مجموعة ممارسات تسوية المنازعات. (حبيب الملا ومشاركوه)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5843n94t

عن الكاتب

محامية أولى في مجموعة ممارسات تسوية المنازعات. (حبيب الملا ومشاركوه)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"