عادي
قمم خالدة

جون ماينارد مؤسس «الثورة الكينزية»

04:21 صباحا
قراءة 7 دقائق
إعداد: عثمان حسن

هو صاحب «الثورة الكينزية».. المفكر الاقتصادي والكاتب الفذ «جون ماينارد كينز» يعد المؤسس الفعلي لعلم الاقتصاد المعاصر، حركت أفكاره السياسة الاقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» كمنقذ لحالة الركود، تكمن قوته في إيجاد مفاهيم أسست لسياسات اقتصادية بديلة.. من الشخصيات المؤثرة في تشجيع التجارة، واستقرار النظام العالمي المالي بعد الحرب الثانية.

كتابه «النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال» هو الأهم، وصدر في عام 1936، واستطاع من خلاله تحويل مفهوم الاقتصاد من مجال وصفي وتحليلي، إلى مجال موجه نحو السياسة.

ولد جون ماينارد كينز، في 5 يونيو/حزيران 1883 في كامبريدج، وتوفي في 21 إبريل/نيسان 1946 بقرية فيرل، هو اقتصادي، وكاتب يتمتع بشهرة عالمية، ومؤسس الاقتصاد الكلي الكينزي. ومن أعماله انبنت أفكار الاقتصاد الكينزي الجديد أو ما بعد الكينزية، وهو من أبرز المنظرين الاقتصاديين تأثيراً في القرن العشرين، تولى العديد من المناصب الرسمية، وهو من الشخصيات الرئيسية في اتفاقية «بريتون وودز» بعد الحرب العالمية الثانية.

ينتمي إلى طبقة برجوازية مثقفة، فوالده هو «جون نيفيل كينز» عمل أكاديمياً في كامبيردج، وصدر له كتاب بعنوان: «نطاق ومنهج الاقتصاد السياسي» في عام 1890. والدته هي «فلورانس آدا براون» كانت كاتبة معروفة، ورائدة في العمل الاجتماعي وسياسية انتخبت عمدة لمدينة كامبيردج في 1932.

كانت أطروحته «رسالة في المال» هي أول عمل يقوم بكتابته، توالت كتبه المهمة الفكر الاقتصادي؛ وأبرزها: «النظرية العامة حول العمالة، والفائدة، والمال» وصدر في عام 1936.

برع في الرياضيات، وفي 1902، التحق بكلية كينغ بكامبيردج، وفي 1903، كما انضم إلى «مجموعة بلومزبري» التي تجمع خليطاً من المثقفين والمفكرين والكتّاب، حصل على شهادة في الرياضيات عام 1905، وتعرف في كامبيردج إلى عدد من أفضل اقتصاديي عصره، وفي 1907، بدأ العمل على «رسالة في قانون الاحتمالات».. كما شرع في دراسة الاقتصاد تحت إشراف «ألفرد مارشال».

أصدر الكثير من الكتب الاقتصادية التي ما تزال حتى اليوم، من المراجع المهمة لدارسي الاقتصاد والخبراء والمؤسسات الأكاديمية، وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات والأوسمة من دول أوروبية عدة.

في بدايات العشرينات، أكد كينز العلاقة بين التجارة الدولية والسلام، فقد رأى أن التجارة تسمح بالرفاه، والتي يولد عنها الاعتدال والنظام.

قراءة

العنصر الأساسي الذي تقوم عليه هذه النظرية، تتعلق بالاقتصاد الكلي، الذي يمكن أن يعيش حالة من عدم التوازن لفترة طويلة؛ لذلك تدعو «الكينزية» إلى تدخل الحكومة؛ للمساعدة في التغلب على انخفاض الطلب الكلي؛ وذلك من أجل الحد من البطالة وزيادة النمو.

تقوم نظرية كينز على عدة مرتكزات؛ حيث تقول إن الركود يحصل إذا ما تجاوز الادخار الاستثمار، في التفاصيل ترى النظرية أن انخفاض معدلات الاستثمار، سوف تؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة، وبالتالي انخفاض معدلات الادخار، و«الكينزية» ترى ضرورة لزيادة الاستثمارات مرة أخرى، ليعود الاقتصاد الكلي إلى التوازن، فترتفع معدلات التوظيف.

إن انخفاض معدلات الاستثمار، يؤدي لانخفاض نسب التوظيف، فتنخفض معدلات الإنفاق، وبالتالي تتراكم السلع غير المباعة لدى الشركات، مما يقلل الاستثمارات.

في مسألة «الطلب والعرض» تؤكد الثورة الكينزية أن الطلب هو الذي يحدد مستوى الإنتاج المحلي، وليس العرض؛ وذلك على عكس «قانون ساي» الذي يرى أن العرض يخلق الطلب الخاص به، أي أن ما يتم إنتاجه سوف يتم استهلاكه، وبالتالي لا تحدث أزمات اقتصادية.

الانتقادات الموجهة للنظرية الكينزية

رأى كينز أن السياسة النقدية غير فاعلة نسبياً في التأثير على الطلب، بينما يرى الكثير من الاقتصاديين غير ذلك، كما انتقدها آخرون؛ لأنها تحفز على ضخ الأموال، وإنفاق الحكومة على المشروعات، وتحقيق فوائد كبيرة يصعب خفضها بعد الركود.

الكينزية والكساد الكبير

شهد الكساد الكبير، الذي مر به العالم خلال فترة 2008 عودة الاهتمام بالنظرية الكينزية؛ بسبب وجود أوجه تشابه كبير مع فترة الكساد خلال الثلاثينات؛ حيث كانت النظرية الاقتصادية القائمة آنذاك غير قادرة على تفسير أسباب الانهيار الاقتصادي الحاد الذي شهده العالم، وفشلت في تقديم حلول؛ لإنعاش الإنتاج والتوظيف.

كتب

«التبعات الاقتصادية للسيد تشرشل»، صدر هذا الكتاب في 1925، تعليقاً على اعتماد بريطانيا «معيار الذهب»؛ لتحديد العملة، وفيه يعلق ماينارد أيضاً على «معاهدة فرساي» التي أسدلت الستار على وقائع الحرب العالمية الأولى، فبعد مرور سبع سنوات على انتهاء الحرب، يشير إلى سبب المشكلات الاقتصادية التي أصابت أمريكا والعالم الأوروبي، التي من وجهة نظره كانت تعود إلى مسألة الأسعار المرتفعة في السوق الدولية، في حين كانت تقديراته تشير إلى انخفاض معدلات البطالة، ومؤشرات جيدة للتجارة العالمية وانعكاساتها على الاستهلاك والرفاه البشري في أمريكا ودول أوروبية عدة؛ حيث الحالة العامة من وجهة نظره، كانت تقع في منتصف المسافة بين الركود والازدهار.. البطالة في فرنسا وإيطاليا تكاد لا تذكر، أما في ألمانيا فانخفضت في خلال الستة أشهر الماضية، وأعداد الذين يتلقون الإعانات العاجلة أكثر من النصف، وكانت قراءات ماينارد في الكتاب تشير إلى احتمال ارتفاع إجمالي الإنتاج العالمي أكبر من أي وقت.

جاءت مادة الكتاب في سلسلة من ثلاث مقالات نشرها تحت عنوان «البطالة والسياسة النقدية».. قام ماينارد بتوسيع نطاق أبحاثه في ذات الشهر، ونشر ذلك في صحيفة ال «ايفننغ ستاندرد» اللندنية.. أما في الولايات المتحدة، فنشر ذات الموضوع تحت عنوان «التوابع الاقتصادية لتكافؤ الجنيه الاسترليني».

«سيرة ذاتية لجون ماينارد».. جاء الكتاب في ثلاثة مجلدات كتبها روبرت سكيدلسكي، تمثل رواية موثوقة عن حياة رجل الاقتصاد الكبير، ثبتها سكيدلسكي في كتاب ضخم ونهائي يتحدث فيها عن ذلك الشاب الموهوب والاستثنائي، الذي كان مهتماً بمشكلات عصره، والكتاب يبحث في الرحلة الفكرية والأيديولوجية لماينارد في زمن طغت عليه الحروب، يشير المؤلف إلى تمتع ماينارد برؤية وبصيرة ثاقبة، في جانبها الفلسفي الاقتصادي، وهو صاحب «النظرية الكينزية» التي ما تزال حتى اليوم في بؤرة التفكير السياسي والاقتصادي. روبرت سكيدلسكي هو أستاذ فخري في الاقتصاد السياسي بجامعة وارويك. نالت سيرته الذاتية بمجلداتها الثلاثة لجون ماينارد كينيز (1983، 1992، 2000) العديد من الجوائز؛ منها جائزة ليونيل جيلبر للعلاقات الدولية، وجائزة مجلس العلاقات الخارجية للعلاقات الدولية. هو زميل في الأكاديمية البريطانية في عام 1994.. ووصفت ال«نيويورك تايمز» الكتاب بأنه يمثل «تحفة في السيرة الذاتية والتحليل التاريخي».

النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال

هو الكتاب الأهم الذي انبنت عليه أفكار ماينارد، ويتألف من سلسلة من الآليات التي غيّرت جذرياً الطرق التي ينظر بها الاقتصاديون إلى العالم. في هذا الكتاب الذي صدر في عام (1936)، انتقد كينز سياسات عدم التدخل الحكومي في عصره، لاسيما الاقتراح القائل إن اقتصاد السوق الذي يعمل بشكل طبيعي سيحقق نسباً عالية في العمالة والتوظيف، لقد حوّل هذا العمل المتقدم لكينز مفهوم الاقتصاد من مجرد مجال وصفي وتحليلي إلى مجال موجه نحو السياسة. بالنسبة لكينز، كان تدخل الحكومة المستنير في الحياة الاقتصادية للأمة يعد ضرورياً؛ لكبح ما اعتبره التباينات المتأصلة والتشوهات الاقتصادية، ومن ذلك عدم الاستقرار في النظام الرأسمالي.

الكتاب يغطي مجموعة واسعة من القضايا في الاقتصاد السياسي. في مقالاته حول معاهدة فرساي. توقع جون ماينارد بوضوح شديد أن مطالبات الحلفاء المفرطة بالتعويضات ستؤدي إلى الانهيار الاقتصادي لألمانيا. وفي مقالاته حول التضخم والانكماش، يمكن للقارئ أن يكتشف الأفكار التي أصبحت أساس أطروحته الأكثر شهرة؛ حيث الدقة المتناهية في توقعه للتقلبات الاقتصادية التي كان من المفترض أن تطيح اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة، وحتى التدابير المقترحة التي لو تم الاهتمام بها حينذاك ربما تكون قد حالت دون حقبة من الكساد العالمي. إن وجهات نظر ماينارد بشأن روسيا السوفييتية، وبشأن تدهور العلاقات الاقتصادية، وإمكانات النمو الاقتصادي، هي اليوم ذات صلة بما سبق وأوضحه كينز في نظريته.

«النتائج الاقتصادية للسلام».. وصدر عام 1919، توقع ماينارد أن الشروط المجحفة التي فرضتها معاهدة فرساي للسلام على ألمانيا؛ لإنهاء الحرب العالمية الأولى ستؤدي إلى حروب أوروبية أخرى. وهو يتذكر الدروس المستخلصة من معاهدة فرساي ومن الكساد الكبير.

قاد ماينارد برئاسة الوفد البريطاني في مؤتمر «بريتون وودز» عام 1944، الذي وضع قواعد تضمن استقرار النظام المالي العالمي، وسهل إعادة بناء الدول التي دمرتها الحرب العالمية الثانية. وإلى جانب مسؤول الخزانة الأمريكي «هاري ديكستر وايت» يعد ماينارد المؤسس الفكري لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين تم إنشاؤهما في بريتون وودز.

الثورة الكينزية

من بين الاضطرابات الاقتصادية التي عاشها العالم في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، بزغت نظرية ثورية حول التوظيف والفوائد والمال، التي طرحها الاقتصادي اللامع جون ماينارد، يظهر الكتاب كيف ابتعدت نظرياته عن نظرائه المعاصرين وأسلافه، كيف طور كينز نظريته الجديدة منذ كتابه الأول في 1919؟ ما هي النظرية الجديدة، وما مدى تأثيرها على السياسة الاقتصادية التي كانت متبعة حينذاك؟ كلها أسئلة يجيب عنها الكتاب، الذي يوضح من دون شك أن «الثورة الكينزية» تُعد إعادة صياغة أساسية للنظرية الاقتصادية فيما يتعلق بالعوامل التي تحدد مستويات التوظيف في الاقتصاد الكلي. وأن على الحكومات أن تتدخل؛ للتخفيف من حدة البطالة الشديدة، وضعت النظرية لتكون بديلاً عن نظرية الاقتصاد الكلاسيكي، وتد واحدة من أبرز التوجهات في تاريخ الفكر الاقتصادي بأكمله؛ بالتأكيد لم يحدث من قبل، وربما لم يحدث منذ ذلك الحين، أن يقدم أحد مثل هذه النظرية في تاريخ الاقتصاد السياسي، إن الافتراض الحاسم الذي تستند إليه حجة كينز، هو أنه من المستحيل على الإطلاق تخفيض الأجور المالية لمجموعة كبيرة من العمال، من دون التسبب في بطالة واسعة النطاق. كان الاستنتاج الذي استخلصه كينز من هذا، هو بما أنه لا يمكن تخفيض الأجور النقدية، فإن تعديلها يصبح ضرورياً؛ كلما ارتفعت الأجور بحيث لا يسمح ب«التوظيف الكامل»، ويجب أن يتم من وجهة نظره تخفيض قيمة الأجور، ومن دون هذا يتعرض المجتمع والدولة للتضخم والانكماش.

مراجعة معاهدة فرساي

في هذا الكتاب الذي يوجهه ماينارد لطلاب الاقتصاد وقرّاء القرن العشرين، يؤكد من خلاله أنه لا خطأ في أنه ألقى بالتبعات الاقتصادية للسلام على التفاصيل الحرفية لمعاهدة فرساي، أو في معاينة نتائج تنفيذها، لقد جادل ماينارد أن الكثير منها كان مستحيلاً. كما أنه لم يتفق مع العديد من المحللين الذين رأوا أن المعاهدة كانت منصفة وليست ضارة، فور المصادقة على بنودها.

أصبح من الواضح أن معاهدة فرساي، التي أنهت الحرب العالمية الأولى، كانت غير قابلة للتطبيق جزئياً على الأقل - وفي هذا العمل الذي أنجز في عام 1922، قام ماينارد بتشخيص المشكلات التي رآها، ويعد تكملة لكتابه لعام 1919 «الآثار الاقتصادية للسلام»؛ حيث يفرد نقاشاً حول التعويضات الألمانية. مشروعية احتلال ألمانيا شرق الراين. تقسيم التعويضات بين الحلفاء. أفضل طريقة للتعامل مع الديون بين الحلفاء، وغير ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"