عادي
نساء رائدات

راشيل كارسون عالمة الطبيعة.. عاشقة البحر

04:26 صباحا
قراءة 7 دقائق

إعداد / عثمان حسن

«طريقة واحدة لكي تفتح عينيك هي أن تسأل نفسك، ماذا لو لم يسبق لي أن رأيت هذا من قبل؟ ماذا لو عرفت أنني لن أراه مرة أخرى؟» هذا ما قالته الأمريكية عالمة الأحياء البحرية راشيل كارسون، صاحبة كتاب «الربيع الصامت».. توصف بأنها أفضل كاتبة طبيعة في القرن 20، حذر كتابها من الأخطار التي تهدد النظم الطبيعية جراء سوء استخدام المبيدات الكيميائية مثل الـ دي. دي. تي، غيرت أبحاثها في مجالات العلوم الحديثة، دقت ناقوس الخطر حول مهددات البيئة المعاصرة.. قدمت كتبها سرداً لتفاعلات السلاحف وثعابين البحر والأسماك في البحار المفتوحة، وكانت بمثابة صوت مدو وموثوق به للعلوم في أمريكا.

ولدت عالمة الأحياء الأمريكية راشيل لويز كارسون في 27 مايو 1907 في مزرعة عائلية بالقرب من سبرينجديل بولاية بنسلفانيا ورحلت في 14 إبريل 1964، والدها هو روبرت واردن كارسون، عمل في حقل التأمين، أما والدتها فهي ماريا فرايزر (مكلين).

أيضاً كاتبة ومن دعاة الحفاظ على البيئة خاصة البحرية، بدأت حياتها المهنية كعالمة بيولوجيا مائية في مكتب المصايد الأمريكي، التابع لهيئة الأسماك بالولايات المتحدة والذي يعرف باسم «هيئة الثروة السمكية» والذي كان يهتم بالتحقيق في مصائد الأسماك.

وأصبحت كاتبة في علوم الطبيعة بدوام كامل في الخمسينات. وقد حاز كتابها «الربيع الصامت» الذي صدر في منتصف الخمسينات سمعة دولية.

كما أتبعته بكتاب «البحر من حولنا» الذي حصل على جائزة الولايات المتحدة للكتاب فأصدرت كتابها الثاني «حافة البحر»، وتم الاعتراف بها ككاتبة موهوبة، ثم أعادت إصدار كتابها «تحت رياح البحر» الذي حقق أرقاماً قياسية في سوق مبيعات الكتب، وهو عبارة عن ثلاثية بحرية تستكشف أعماق الشواطئ والمحيطات، ويرصد آثار الأمراض البيولوجية والآفات التي تسببها المبيدات.

وكانت النتيجة صدور كتابها «الربيع الصامت» الذي جلب اهتماماً لا مثيل له عند الأمريكيين في صلته بمخاطر البيئة.

قوبل كتابها «الربيع الصامت» بمعارضة شرسة من قبل الشركات التي تعمل في حقل المواد الكيميائية، إلا أنه أدى إلى عكس السياسة الوطنية للمبيدات الحشرية، فأدى ذلك إلى فرض حظر عالمي على مادة ال دي. دي. تي ومبيدات الآفات الأخرى. وإنشاء وكالة حماية البيئة الأمريكية.

الطفولة والتعليم

في طفولتها قضت كارسون وقتاً في استكشاف مزرعة العائلة، وهو ما دفعها إلى قراءة القصص التي تدور حول موضوع الحيوانات. كما هامت بأعمال بياتريكس بوتر وروايات جين ستراتون بورتر، ولاحقاً بأعمال هيرمان ميلفيل وجوزيف كونراد وروبرت لويس ستيفنسون. كان العالم الطبيعي، وخاصة المحيط، هو الخيط المشترك لأدبها المفضل. التحقت كارسون بمدرسة سبرينجديل الصغيرة حتى الصف العاشر، وأكملت دراستها الثانوية في بارناسوس القريبة، بولاية بنسلفانيا، وتخرجت في عام 1925.

في كلية بنسلفانيا للبنات (المعروفة اليوم باسم جامعة تشاتام)، درست كارسون اللغة الإنجليزية في الأصل، لكنها حولت تخصصها إلى علم الأحياء في 1928، على الرغم من أنها استمرت بالمساهمة في صحيفة الطلاب بالمدرسة والملحق الأدبي. ورغم قبولها في الدراسات العليا في جامعة جونز هوبكنز في عام 1928 اضطرت للبقاء في كلية بنسلفانيا للبنات بسبب الضيق المالي، تخرجت من قسم اللغة الفرنسية عام 1929. بعد دورة صيفية في مختبر الأحياء البحرية، وواصلت دراساتها في علم الحيوان وعلم الوراثة في جامعة جونز هوبكنز في خريف عام 1929.

بعد عامها الأول في كلية الدراسات العليا، درست كطالبة غير متفرغة، وحصلت على مساعدة في مختبر ريموند بيرل، من أجل كسب المال حيث عملت مع الفئران وال «دروسوفيلا» أو ذبابة الفاكهة الصغيرة، التي كانت تستخدم على نطاق واسع في البحوث الوراثية بسبب كروموسوماتها الكبيرة، ومعدل تكاثرها السريع.

بعد بدايات خاطئة مع الأفاعي السامة والسناجب، أكملت كارسون مشروع أطروحة حول التطور الجنيني للأسماك. حصلت على درجة الماجستير في علم الحيوان في يونيو 1932. كانت تنوي الاستمرار للحصول على الدكتوراه، ولكن في عام 1934 أُجبرت على ترك جامعة جونز هوبكنز للبحث عن وظيفة في حقل التدريس بدوام كامل للمساعدة في إعالة أسرتها خلال فترة الكساد الكبير. في عام 1935، توفي والدها فجأة، وتفاقم وضع العائلة المالي، فقامت بالاهتمام بوالدتها المسنة. بناءً على طلب من مرشدتها في علم الأحياء ماري سكوت سكينكر، استقرت كارسون في منصب مؤقت في مكتب المصايد الأمريكي، وهنا، قامت بكتابة سلسلة برامجية إذاعية كل حلقة مدتها سبع دقائق ركزت من خلالها على الحياة المائية بهدف جذب الانتباه إلى التطور البيولوجي للأسماك، وهي مهمة لم يتمكن العديد من الكتاب قبلها من البحث فيها. بدأت كارسون أيضاً في تقديم مقالات عن الحياة البحرية في خليج تشيسابيك، ونشرت سلسلة كتاباتها في الصحف والمجلات المحلية.

فرحت مشرفة كارسون بالنجاح الذي تحقق للسلسلة البرامجية وطلبت منها كتابة مقدمة لنشرة عامة حول مصائد الأسماك، وعملت على تأمينها بوظيفة بدوام كامل، أثناء تقدمها لأداء امتحان الخدمة المدنية تفوقت على جميع أقرانها، وفي عام 1936أصبحت ثاني امرأة يتم تعيينها من قبل مكتب مصائد الأسماك بوظيفة عالمة بيولوجية مائية.

منشورات

في مكتب مصائد الأسماك بالولايات المتحدة، تطلبت مسؤوليتها تحليل البيانات الميدانية عن مجموعات الأسماك، وكتابة تقارير حولها، شكلت أبحاثها بالمشاركة مع علماء الأحياء البحرية الآخرين نقطة انطلاق جديدة، فاستمرت في كتابة المقالات لصحيفة بالتيمور صن وغيرها من الصحف. ومع ذلك، ازدادت مسؤوليات عائلتها في يناير 1937 عندما توفيت شقيقتها الكبرى، فأصبحت كارسون المعيلة الوحيدة لأمها وابنتيها.

تحت رياح البحر

في يوليو 1937، قبلت «أتلانتك مونثلي» نسخة منقحة من مقال حول عالم المياه، والذي هو في الأصل نسخة كتبتها أثناء عملها في المكتب، وقد قدرت مشرفتها هذا العمل واعتبرته جيداً، وهو عبارة عن حكاية حية لرحلة في قاع المحيط، وهو الذي شكل نقطة تحول رئيسية في مهنة الكتابة لدى كارسون. وهو الكتاب الذي تم نشره لاحقاً بعنوان «تحت رياح البحر» في 1941.

استمرت نجاحاتها، وحين حاولت ترك المكتب الذي تحول لاحقاً إلى اسم (الأسماك والحياة البرية في الولايات المتحدة) في 1945، لم تتمكن من ذلك بسبب ندرة الوظائف المتاحة للعلماء، ونقص الأموال المخصصة للعلوم التقنية في أعقاب مشروع مانهاتن.

في منتصف عام 1945، واجهت كارسون لأول مرة موضوع ال دي.دي.تي، وهو مبيد آفات جديد ثوري- يشار إليه ب«القنبلة الحشرية» بعد القصف الذري لهيروشيما وناجازاكي، كانت اختبارات للسلامة والآثار البيئية المحتملة في صلب اهتماماتها فبدأت بالكتابة حول مخاطر ال دي دي تي، غير أن هذه المقالات لم تعجب الناشرين.

أجرت كارسون وبوب هاينز أبحاثاً قبالة ساحل المحيط الأطلسي في عام 1952، بحلول عام 1945، أشرفت على فريق عمل صغير لتحرير مطبوعات حول الحياة البرية والأسماك في عام 1949 ورغم أن منصبها كان يوفر فرصاً متزايدة للعمل الميداني والحرية في اختيار مشاريع الكتابة الخاصة بها، إلا أنه انطوى على مسؤوليات إدارية شاقة، بحلول عام 1948، كانت تعمل على إعداد مواد لكتاب ثانٍ واتخذت قراراً ببدء الانتقال إلى الكتابة بدوام كامل. في تلك السنة، شكلت مع الوكيلة الأدبية ماري روديل علاقة عمل استمرت لبقية حياتها.

عبرت مطبعة جامعة أوكسفورد عن اهتمامها باقتراح لأحد كتبها حول تاريخ حياة المحيطات، مما حفزها لإكمال مخطوط، ظهرت فصوله في مجلة ساينس دايجست في عام 1950.

جوائز

حازت كارسون جائزة جورج ويستنجهاوس العلمية لكتاب الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، ونشر الكتاب في تسعة فصول في«ذي نيويوركر» ونشر بواسطة مطبعة أكسفورد في عام 1951، وظل الكتاب مدرجاً ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، كما فازت بجائزة الكتاب الوطني عام 1952، وحصلت على الدكتوراه الفخرية.

قامت كارسون بالموافقة على إنتاج فيلم وثائقي مستلهم من كتاب«تحت هبوب الرياح».

بعد وفاتها حصلت كارسون على وسام الحرية الرئاسي من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.

في 1952 حققت ازدهاراً مالياً وتخلت عن وظيفتها وركزت على الكتابة.

فيلم وثائقي

في عام 1956 اهتم المخرج والكاتب والمنتج إيروين ألين، بعمل فيلم وثائقي مستلهم من كتاب «البحر من حولنا»وكانت كارسون غير راضية عن سيناريو الفيلم حيث قام المنتج ألين بإعادة كتابته، وكان من الأفلام الناجحة وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 1953.

مع دوروثي فريمان

التقت كارسون لأول مرة مع المحررة دوروثي فريمان في صيف عام 1953 في جزيرة ساوثبورت بولاية مين. كتبت فريمان إلى كارسون ترحب بها في المنطقة عندما سمعت أن المؤلفة الشهيرة ستصبح جارتها. كانت بداية صداقة حميمة للغاية استمرت لبقية حياة كارسون، سارت العلاقة بينهما على نحو رومانسي حيث تبادلتا في غضون 12 عاماً نحو 900 رسالة أسفرت في النهاية عن نشر العديد منها في كتاب (ألويز، راشيل)، الذي نشر في عام 1995 من قبل بيكون برس.

حافة البحر

في أوائل عام 1953، بدأت كارسون بحوثها الميدانية والمكتبية حول البيئة والكائنات الحية على ساحل المحيط الأطلسي. في عام 1955، أكملت المجلد الثالث من ثلاثية البحر، والذي يركز على الحياة في النظم الإيكولوجية على طول الساحل الشرقي. خلال عامي 1955 و 1956، عملت في عدة مشاريع، بما في ذلك سيناريو«شيء حول السماء»، وكتبت مقالات لمجلات عامة.

المبيدات القاتلة

بحلول عام 1960، تكون لديها أكثر من مادة بحثية كافية، وكانت تتقدم في كتابتها فقد حققت في مئات الحوادث الفردية الناجمة عن التعرض لمبيدات الآفات وتأثيراتها في البشر والبيئة، وفي كانون الثاني من ذات العام أصيبت بقرحة الإثني عشر، مما تركها طريحة الفراش ما أدى إلى تأخير صدور كتابها «الربيع الصامت» وحال تماثلها للشفاء واقترابها من كتابة فصلين عن سرطان الثدي اكتشفت إصابتها بكيس استلزم استئصال ثديها.

بحلول شهر ديسمبر اكتشفت انتشار الورم الخبيث، فتأخرت أبحاثها المتعلقة بكتاب «البحر من حولنا» مع إريك هارتمان، وهو الكتاب الذي يرصد آثار الأمراض البيولوجية والآفات التي تسببها المبيدات.

الموت

أصيبت كارسون بفيروس سرطان الجهاز التنفسي في يناير عام 1964. ساءت حالتها، وفي شهر فبراير، وجد الأطباء أنها تعاني فقر الدم الحاد بسبب العلاج الإشعاعي، وفي مارس اكتشفوا أن السرطان قد وصل إلى كبدها، فتوفيت بنوبة قلبية في 14 إبريل 1964، في منزلها في سيلفر سبرينغ، ميريلاند.

رمادها في البحر

وفقاً لسيرتها الذاتية، كان هناك بعض الخلاف حول الترتيبات الجنائزية لراشيل. أصر شقيقها، روبرت كارسون، على دفن جثتها المحترقة بجانب والدتها في ماريلاند. كان هذا ضد رغباتها الخاصة لدفنها في ولاية مين. في النهاية تم التوصل إلى حل وسط. تم تنفيذ رغبات كارسون من قبل لجنة تنظيمية، بما في ذلك وكيلتها ماري روديل، والمحرر بول بروكس، ودوروثي فريمان. في ربيع عام 1964، تلقت دوروثي نصف رماد راشيل في البريد الذي أرسله إليها روبرت كارسون. في صيف ذلك العام، نفذت دوروثي رغبات راشيل وبعثرت رمادها على طول الشواطئ الصخرية لخليج شيبسكوت في ولاية ماين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"