عادي

سوريا.. عام من الدماء والحلول بالتقسيط

04:46 صباحا
قراءة 8 دقائق

للوهلة الأولى، لم تكن الأزمة السورية في عام 2018 سوى امتداد للصراع المستمر منذ عام 2011، ولكن سرعان ما تبين أن عام 2018 شكل نقطة تحول في هذا الصراع المستمر منذ نحو سبع سنوات، والذي أودى بحياة أكثر من 360 ألف شخص ومئات آلاف الجرحى والمعاقين، وتشريد نحو نصف الشعب السوري في الداخل والخارج، إذ شهد هذا العام سلسلة من المحطات البارزة أفضت إلى تحول دراماتيكي على الصعيد الميداني لصالح قوات النظام المدعومة من روسيا، حيث استعادت السيطرة على معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية وجنوبي دمشق ومحافظتي درعا والقنيطرة في جنوب البلاد، ما مكنها من السيطرة على نحو 65 في المئة من مساحة سوريا، مع ما رافقها من عمليات تهجير جديدة ومزيد من الخراب والدمار الذي أعاد البلاد إلى القرون الوسطى.
صحيح أن النظام حقق انقلابا في موازين القوى على الأرض، وهناك من يعتبره قد حقق انتصارا كاسحا على المعارضة، إلا أنه لم يحقق السلام. ليس هذا فقط فأكثر من ثلث البلاد لا يزال خارجا عن السيطرة، سواء في مناطق شرقي الفرات، حيث لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيا،تخوض معارك دامية لاجتثاث تنظيم «داعش» من آخر معاقلة في سوريا، أو في إدلب وريفها التي تحولت إلى خزان بشري هائل بفعل التهجير القسري إليها، على الرغم من الاتفاق الروسي- التركي في سوتشي بشأن إقامة المنطقة العازلة، حيث توجد جبهة «النصرة» والفصائل المتطرفة الأخرى المتحالفة معها، ترفض الانسحاب أو سحب سلاحها الثقيل، ما يهدد الاتفاق الروسي- التركي، ويعيد الأمور إلى المربع الأول، أي الحل العسكري . اللافت هنا، أن الجميع يتحدث عن أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، لكن الجميع أيضاً متورطون في العمل العسكري، بدءا من روسيا وأمريكا وحتى تركيا وإيران وقوات النظام والمعارضة، فيما الحلول السياسية لا تزال غائبة أو تطرح بالتقسيط من دون الوصول إلى نهاياتها، كما هي الحال بالنسبة لمساري «آستانا» و«سوتشي».
استهلت تركيا عام 2018 باستباحة جديدة للأراضي السورية، خلال شهر مارس/‏آذار بعد أن قررت الاستيلاء على عفرين أسوة بجرابلس وأعزاز والباب في شمال سوريا، في إطار صراعها مع الأكراد، ودفعت لتحقيق هذه الغاية فصائل سورية تدعمها في إطار عملية سمتها «غصن الزيتون»، لكنها سرعان ما انتهت بمجزرة بشرية وتدمير عفرين فوق رؤوس أهلها، فيما استباحت الميليشيات التابعة لها المدينة وأهلها نهبا وسلبا وقتلا وتهجيرا.
وخلال الشهر ذاته، أحبطت القوات الروسية في قاعدة حميميم الجوية، هجوما بواسطة طائرات دون طيار،«درون»، أدى إلى إصابة عدد من الطائرات الروسية داخل القاعدة بأضرار، وفق المرصد السوري، الذي لم يكشف الجهة التي دبرت الهجوم، لكنه أشار إلى هجوم مشابه في 7 يناير/‏كانون الثاني الماضي على القاعدة ذاتها، نفذته طائرات دون طيار «تابعة لفصيل متشدد عامل في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي».

الغوطة الشرقية

حمل شهر إبريل/‏ نيسان تحولا استراتيجيا في غوطة دمشق الشرقية، التي شهدت هجوما عنيفا لقوات النظام، انتهى بسيطرتها على كل معاقل المعارضة في تلك المنطقة وخصوصا في مدينتي دوما وحرستا، وتهجير عشرات آلاف المقاتلين المعارضين وعائلاتهم إلى إدلب ومناطق الشمال السوري. وكان فصيل «جيش الإسلام» المعارض، الذي كان يسيطر على دوما، توصل إلى اتفاق مع الحكومة وحلفائها العسكريين الروس لمغادرة المدينة بعد مرور وقت قصير على هجوم كيماوي مزعوم في السابع من إبريل أودى بحياة عشرات المدنيين. وقاد الهجوم إلى عملية عسكرية مشتركة نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، واستهدفت عدة منشآت قرب دمشق و حمص. وذكر المرصد السوري أن الحملة على الغوطة الشرقية أدت إلى مقتل أكثر من 1600 مدني.

جنوب دمشق

معركة الغوطة الشرقية فتحت الطريق خلال مايو/‏أيار أمام القوات النظامية لاستعادة مناطق كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة»، حيث تمكنت هذه القوات بعد معارك ضارية من استعادة السيطرة على حي القدم ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وحي الحجر الأسود، فيما دخلت بلدت يلدا وببيلا وبيت سحم المحاذية في مصالحات مع النظام تم بموجبها إخراج الرافضين للمصالحات مع عائلاتهم إلى إدلب والشمال السوري.

مهد الثورة

قد تكون المعركة الأبرز التي شهدتها سوريا عام 2018 هي تلك التي جرت في محافظات الجنوب الثلاث درعا والقنيطرة والسويداء، أولاً لكون درعا هي «مهد الثورة» حيث انطلقت الاحتجاجات ضد النظام، وامتدت إلى بقية المحافظات ، وثانيا لحساسية هذه المحافظات التي تتداخل فيها العوامل الجيوسياسية، ومصالح دول أخرى، فهي أولا على الحدود المحاذية ل «إسرائيل» التي يعرف القاصي والداني بدعمها لبعض فصائل الجنوب، وهناك مصالح أردنية ومخاوف جديدة من تسرب الإرهابيين إلى أراضي المملكة، وهناك مصالح أمريكية وتفاهمات أردنية روسية أمريكية على تهدئة كانت لا تزال سارية آنذاك، وكانت محصلة الصراع في النهاية استعادة قوات النظام السيطرة على المحافظات الثلاث، تخللها اتفاقات تهجيرية جديدة ومصالحات أسوة بالمناطق التي سبقتها. وقد توج ذلك بإعادة فتح معبر نصيب/‏جابر الاستراتيجي بين سوريا والأردن في أكتوبر/‏تشرين الأول الماضي. لكن ثمن تقدم النظام دفعته محافظة السويداء على ما يبدو، حيث تقدم مسلحو «داعش» وارتكبوا مجزرة بشعة راح ضحيتها أكثر من 220 قتيلا وخطفوا أكثر من ثلاثين رهينة من النساء والأطفال.

المنطقة العازلة

في 17 سبتمبر/‏ أيلول الماضي توصل الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان،إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، لتجنب قيام النظام بعمل عسكري واسع لاستعادة المنطقة. وتقرر أن تكون هذه المنطق العازلة بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومترا على طول خط التماس، ابتداء من 15 أكتوبر، وخلال هذه الفترة يتعين على الفصائل المسلحة، بما فيها جبهة النصرة، الانسحاب من المنطقة، على أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ بحلول 15 أكتوبر. وبموجب الاتفاق، سيتم سحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة، وتسيير دوريات مشتركة من القوات الروسية والتركية لمراقبة الخط الفاصل. وعلى الرغم من إعلان أنقرة، أن المنطقة العازلة باتت خالية من الأسلحة الثقيلة، إلا أن الاتفاق لا يزال يواجه عقدة إخراج المسلحين المتطرفين في هذه المنطقة.

خلاصة الموقف يمكن إيجازها بما ورد في التقرير الصادر عن مركز «جاينز آي إتش إس ماركيت» للأبحاث، والذي يشير إلى أن النظام السوري استعاد السيطرة على أكثر من نصف أراضي البلاد، بعد أن زادت الضربات الجوية ضد الفصائل المعارضة بنسبة 150 في المئة منذ التدخل الروسي في سبتمبر 2015. ووفقا للتقرير، فإن النظام ضاعف ثلاث مرات المساحات التي يسيطر عليها، لترتفع من 16 في المئة في منتصف سبتمبر 2015 إلى 47 في المئة في نهاية مارس 2018، قبل استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية وجنوبي سوريا. وأشار التقرير إلى أن التدخل الروسي لم يضمن بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد فحسب، بل قلب مسار النزاع بصورة حاسمة في وجه مجموعة واسعة من القوى المعارضة في البلاد.
لكن رغم كل ذلك، هل انتهت الحرب وتحقق السلام؟
الجواب هو بالتأكيد لا، ذلك أن جوهر الأمر هو أن الأزمة السورية لا تزال أزمة، والصراع لا يزال قائما لأنه لم يتم إيجاد حل سياسي حتى الآن، مع الجزم باستحالة فرض الحل العسكري من قبل أي طرف، وبالتالي فإن الأزمة ستظل قائمة، أو كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان: إن «الأسد فاز في الحرب، علينا أن نقر بذلك، لكنه لن يفوز بالسلام»، وحقيقة الأمر أن السلام يمكن أن يتحقق بإرادة جادة من السوريين أنفسهم.

مسار «أستانا - سوتشي» يكتسح محادثات جنيف

بعد تسع جولات من حوار الطرشان في محادثات جنيف، بين فصائل المعارضة والنظام برعاية الأمم المتحدة، قررت روسيا شق طريق آخر بدلاً من المراوحة تحت سقف الخلافات بين النظام والمعارضة، وداعمي الطرفين الإقليميين والدوليين، ودعت بالاتفاق مع تركيا وإيران إلى محادثات موازية في أستانا بين النظام والمعارضة، بحضور دول أخرى كمراقبين، وعقدت 11 جولة منذ يناير 2017 وحتى نهاية نوفمبر الماضي ناقشت قضايا وملفات مختلفة، بما في ذلك الأسرى والمعتقلين، وأثمر المسار عن إقامة مناطق «خفض التوتر» والكثير من اتفاقات التهدئة ووقف إطلاق النار ووصول المساعدات في المناطق الساخنة.
عملياً، نجح مسار أستانا في إحراز بعض التقدم على حساب مسار جنيف ، قبل أن يعزز هذا النجاح بمسار جديد في منتجع سوتشي الروسي . ففي يناير2018 عقد في سوتشي مؤتمر الحوار السوري، واتفق في نهايته على تشكيل لجنة دستورية تعمل على صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، و«بناء جيش وطني قوي وموحد يقوم على الكفاءة ويمارس واجباته وفقاً للدستور ولأعلى المعايير»، من دون أن يشير البيان الختامي إلى تغيير النظام، ورغم معارضة واشنطن لهذا المؤتمر وما نتج عنه، فإن الإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية أصبح مطلباً أمريكياً، ومفتاح الحل لأي تسوية مستقبلية.
الأمر اللافت هنا، هو موقف جديد لواشنطن يهدد بإنهاء مساري أستانا وسوتشي والعودة إلى مسار جنيف، في حال عدم تشكيل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام الحالي، وهو الأمر الذي رفضته روسيا وتركيا، ما يعني أن الأجندات الدولية المتصارعة في سوريا ستُرحَّل إلى العام الجديد. يذكر ان اللجنة الدستورية حسب إعلانها الأولي تتألف من 150 عضواً منهم 50 تعينهم المعارضة و50 يعينهم النظام و50 تعينهم الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي رفضته دمشق، ولا تزال، باعتبار أن الدستور هو شأن سوري بحت.

اللاجئون..مشكلة إنسانيةواستثمار سياسي

من بين الكوارث الإنسانية التي أفرزتها الحرب السورية، تبرز مشكلة اللاجئين ، حيث تحول نصف الشعب السوري تقريباً إلى مشردين في الداخل والخارج، بواقع 6,1 مليون استقروا في الخارج، ونحو 5,6 مليون تركوا منازلهم وتقطعت بهم السبل في الداخل، لكنهم في النهاية تحولوا إلى مادة للاستثمار السياسي وأداة ضغط لتحقيق أهداف ومصالح معينة، في وقت قدمت الدول المانحة خلال مؤتمر عقدته في بروكسل تعهدات دولية بتقديم 4.4 مليار دولار من أجل الشعب السوري.
تحمّلت ثلاث دول أكثر من غيرها عبء اللجوء، وهي تركيا ولبنان والأردن، ورغبة هذه الدول بإعادة اللاجئين إلى ديارهم في المناطق المستقرة ،تصطدم بأهداف سياسية أبعد مدى، كربطها خصوصاً من جانب الولايات المتحدة والغرب بعملية إعادة الإعمار، وإمكانية استثمارها في أي انتخابات قد تفرزها أي تسوية مع النظام لصالح المعارضة.
بينما تسعى روسيا بقوة لتسويق مبادرتها بشأن عودة اللاجئين إلى ديارهم، فإن الغرب يرفض الشروع في إعادة الإعمار قبل التوصل إلى حل سياسي. كما أن هناك ملايين السوريين الراغبين بالعودة إلى بلادهم لن يتمكنوا من تحقيق ذلك، فالعودة لا تتم الى بيوت مدمرة ومدن وقرى طالها الخراب الكامل أو الجزئي خلال سنوات الحرب ، والتقديرات الدولية تشير إلى دمار أكثر من أربعين في المئة من البنية التحتية لسوريا.
في خضم هذا التباين، أعلن الأردن أنه لن يجبر اللاجئين السوريين على العودة إلى بلدهم، وانه يعمل مع شركائه على إيجاد بيئة تسمح بالعودة الطوعية. أما في لبنان فقد ظهرت خلافات حول طبيعة العودة الطوعية التي أعلن عنها وجرى خلالها عودة عشرات الآلاف من النازحين السوريين بإشراف الأمن العام اللبناني.
الحديث عن اللاجئين لا بد أن يقترن بالحديث عن المساعدات والدول المانحة، حيث أعلن مسؤول الشؤون الإنسانية والإغاثة في الأمم المتحدة، أن الجهات المانحة لسوريا جمعت خلال مؤتمرها في بروكسل في أبريلالماضي تعهدات بمستوى 4.4 مليار دولار من المساعدات لعام 2018. لكن ثمة تساؤلات كبيرة حول كيفية إنفاق المساعدات والجهات التي تشرف عليها، وظهرت شكوك كثيرة حول ما إذا كانت تركيا مثلاً توصل هذه المساعدات إلى مستحقيها من النازحين السوريين أو وضعها في خدمتهم بالفعل.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"