«ثمن الملح»

03:56 صباحا
قراءة دقيقتين
يحزّ في النفس أن أكتب هذا التعليق عن رواية خالد البَسام «ثمن الملح»، وهو لم يعد بيننا، بل إن الرواية نفسها نشرت بعد رحيله المبكر. وهي ثالث رواية للكاتب بين كتبه الكثيرة التي تجاوز عددها العشرين كتاباً، كرّس جُلها، كما سبق أن قلنا في حديث سابق عنه، إلى تتبع آثار «صدمة الحداثة» في مجتمعات الخليج العربي.
من أجل ذلك بذل خالد في حياته التي يمكن وصفها بالقصيرة، جهوداً لم تكل في تتبع المصادر والمراجع، و«الأرشيفات»، والصحف القديمة التي تسعفه في الإمساك بتفاصيل ذلك، ومن أجل ذلك أيضاً، كان يسافر إلى بريطانيا والقاهرة وغيرهما، ويقيم هناك أسابيع وشهوراً، منقباً وباحثاً.
في شغله الروائي ظلّ خالد يتحرك في المنطقة نفسها: تقصي التحولات المبكرة باتجاه الحداثة في منطقة الخليج، فبين رواياته الثلاث: تشكل واحدة منها فقط هي«مدرّس ظفار» استثناء في موضوعها، لأنها مستوحاة من تجربة شخصية عاشها المؤلف نفسه، حين تطوّع في سني شبابه الأولى في ما كان يطلق عليها آنذاك «مدارس الثورة» التي أقيمت على حدود اليمن الجنوبي مع إقليم ظفار العماني، ليُدَرّس التلاميذ العمانيين الملتحقين بتلك المدارس.
في «ثمن الملح» يقترب خالد من ملف شائك، ومؤلم في تاريخ المنطقة، هو ملف تجارة الرقيق التي انتعشت على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين، ومع أن أحداث الرواية تبدأ في الحبشة قبل أن تنتقل إلى مكة المكرمة، إلا أن البحرين غطت أغلب الفضاء المكاني لتلك الأحداث التي تنطلق من وصفٍ لحفل رأس السنة في الليلة الأولى من القرن الماضي في مبنى الحاكمية البريطانية في مدينة المنامة التي كانت غارقة في نومها وصمتها غير معنية بصخب ذلك الحفل.
كان هذا المدخل ضرورياً للكاتب على ما يبدو، لا لوضع القراء في صورة الهيمنة البريطانية على مقدرات المنطقة آنذاك، وأيضاً لأن الحاكمية التي يجري الحفل في مقرها كانت معنية بمتابعة ملف تجارة الرقيق في المنطقة التي تشمل البحرين.
تكوّن لدي وأنا أقرأ الرواية، انطباع بأنه توفرّ لدى خالد البسّام فائض من البيانات والوقائع في إطار اشتغاله البحثي على موضوعاته التي أشرنا إلى طبيعتها في البداية، فآنس في نفسه بعد أن نضجت تجربته ميلاً، أو استعداداً لتحويل هذا الفائض إلى روايات، كانت «ثمن الملح» إحداها.
هذا الانطباع أكدّه تنويه للكاتب في نهاية الرواية أشار فيه، خاصة، إلى استفادته من التقارير الإنجليزية التي عثر عليها في مكتب الهند بالمكتبة البريطانية في لندن حول تجارة الرقيق في المنطقة.
وأحسب لو أن الموت أمهل خالد، لكنا استمتعنا بقراءة روايات أخرى له.
د. حسن مدن
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"