«النووي» وتداعيات الانسحاب الأمريكي

04:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبد الله السويجي

أشبعت خطوة الرئيس الأمريكي التي انسحب فيها من الاتفاق النووي مع إيران، بحثاً وتحليلاً من قبل المراقبين والكتّاب والسياسيين، وصاحبتها ردات فعل من الموقّعين على الاتفاق والمتأثرين به، وعبّر الجميع عن خشيتهم من صدام مباشر بين الولايات المتحدة وإيران، أو على أقل تقدير، بين «إسرائيل» وإيران، وظهرت نتائجه على الفور حين قامت «إسرائيل» بقصف مواقع قالت إنها سورية وإيرانية، مستغلة الهامش الذي تركه دونالد ترامب في قراره، وفهمته «إسرائيل» على أنه ضوء أخضر للهجوم على القواعد الإيرانية التي تنتشر على التراب السوري، وفق قناعة دويلة الاحتلال. وتضاعفت خشية المراقبين من زيادة احتمالات الصدام «الإسرائيلي»- الإيراني، حين انطلقت عشرات الصواريخ نحو الجولان المحتل، مستهدفة مراكز وقواعد «إسرائيلية»، لكن إيران سارعت بنفي مسؤوليتها، وقالت إن الجيش السوري هو من قام بالضربة الصاروخية، وإنها لا تنوي التصعيد، ولا قواعد لها في سوريا.
تحرّكت دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وأعلنت أنها ملتزمة بالاتفاق، رغم تهديد ترامب بمعاقبة كل الأطراف التي تتعامل مع إيران، ومنح الجميع مهلة 90 يوماً للبدء في تنفيذ العقوبات، وانضمّت تركيا فأعلنت أنها غير معنيّة بقرار الرئيس الأمريكي.
على الصعيد الخليجي، أيّدت كل من الإمارات والسعودية والبحرين انسحاب أمريكا من الاتفاق، وأصدرت قطر بياناً حرصت فيه أن يكون خالياً من أي موقف، لأن لديها تعاملات اقتصادية وعسكرية مع إيران، وحرصت على الظهور بمظهر دبلوماسي توفيقي، يهدف إلى نزع السلاح النووي من المنطقة، وتحقيق السلام.
كثيرون يعتقدون أن شبح الحرب يخيّم على المنطقة، ولكن إشعال حرب في هذه المنطقة بالذات ستكون وبالاً على الجميع، وسيتأثر الاقتصاد العالمي كله، وقد يصل سعر برميل النفط إلى 500 دولار، ناهيك عن الجنون الذي سيصيب السلع المستوردة من الخارج، بسبب العمليات الحربية التي ستقود إلى تعطيل ممرات الملاحة الدولية، وكذلك تدمير البنى التحتية، التي شيدت خلال عشرات السنين، إضافة إلى الهجرات التي ستحدث والفوضى البشرية التي ستعم المنطقة كلها.
ستكون الولايات المتحدة من بين المتضررين أيضاً، إذ لديها قواعد عسكرية عديدة في المنطقة ستواجه مصاعب في حال تعطّلت ممرات الملاحية الدولية، وسيطال الدمار أيضاً «إسرائيل» التي لن تنجو من صواريخ وكلاء إيران في لبنان والعراق، وقد لا يحدث أي أمر مما سبق، إذا ما تم توجيه ضربات ساحقة ماحقة للترسانة العسكرية الإيرانية، وهنا لا بد من مشاركة الولايات المتحدة و«إسرائيل» وغيرهما، عندها قد تتراجع الأضرار إلى النصف أو أكثر، وستستسلم إيران كما فعلت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، ولكن من يدري ما سيعقب النتائج، إذ من المحتمل جداً أن تتحوّل الحرب النظامية إلى حرب استنزاف تنشط فيها حرب العصابات.
لا نعتقد أن هذه السيناريوهات التشاؤمية ستحدث، فغياب إيران التي تشكل بؤرة التوتر في المنطقة، سيفقد الولايات المتحدة وأوروبا سوقاً كبيرة للسلاح، وترامب نفسه لا يريد الصدام مع إيران، لأنه في حاجة إلى دولة مشاكسة تقض مضجع المنطقة بأكملها، فهو يعيش على التناقضات، كأي تاجر سلاح، والدليل أنه يريد التفاوض على اتفاق آخر مع إيران، أي يلغي اتفاقاً ويقرّ آخر، وهي لعبة سياسية براغماتية أكثر منها عسكرية، وسيظل يلعب بأعصاب المنطقة حتى يستنزفها.
والسؤال الجوهري الذي يطرحه المراقبون: ماذا سيحدث؟ والإجابة بكل بساطة: لن يحدث أي شيء؛ لن تستطيع «إسرائيل» جر الولايات المتحدة إلى حرب، ولن تدخل الحرب وحدها، شأنها شأن دول الخليج، التي تحرص أن يتم حل الملف النووي الإيراني بطرق سلمية، وستعود الأمور إلى سابق عهدها قبل توقيع الاتفاق، وستبقى إيران رازحة تحت العقوبات التي استطاعت الالتفاف عليها في السابق بمساعدة دول حليفة، وستظهر أصوات تنادي بتغيير النظام الإيراني من الداخل، وهو الحل الأمثل والأسلم، كما يرى حكماء السياسة.
قد تبعث هذه الرؤية الاطمئنان في النفوس، ولكن من يدري؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"