أزمة أوكرانيا تبدأ الآن

05:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
ثمة دلالة تتحدث عن نفسها تكمن خلف الظهور العلني للكاتب الفرنسي الصهيوني برنار هنري ليفي وسط الحشود في العاصمة الأوكرانية . حين خطب عراب "الربيع العربي" هنري ليفي في حشود ساحة الاستقلال في كييف، قال ما يفكّر فيه قادة التمرد الأوكراني من دون أن يقولوه، حيث هاجم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين . على العموم، سبق للسياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر أن باح بما لا يستطيعه مسؤولون في مناصبهم، حين قال قبل أسبوعين إن ما يجري في أوكرانيا هو بروفة لما تريده أمريكا في روسيا .
ليس ليفي وحده من الجانب الصهيوني من يمد أصابعه في أوكرانيا، ولا وحدها الوكالات اليهودية التي تتذرّع بحماية المؤسسات والكنس اليهودية في أوكرانيا . فحتى بعض التقارير الغربية تتحدّث عن دور لجهاز "الموساد" فيها، كما في دول أخرى من جمهوريات الاتحاد السوفييتيّ السابق، وليس رجل الأعمال الأوكراني اليهودي بنشوك الذي دعم التظاهرات، سوى مثال .
لكن لا يعني هذا، ومعه دور الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أن المشهد الأوكراني تقرر مصيره تماماً في الخارج، فثمّة عوامل داخلية هيأت وساعدت نجاح الخارج على اختطاف أوكرانيا، وفي رأس العوامل هشاشة النظام وهلامية جبهته في صراع لا تقتصر أطرافه على الجغرافيا الأوكرانية . ليس سوى هذه الهشاشة ما دفع روسيا للتردد في مناصرة الرئيس يانكوفيتش المنسحب إلى شرق البلاد .
ربما نستطيع القول إن أوكرانيا دخلت سباقاً مع الزمن، حيث ستواجه مفترقات في أيامها المقبلة، وقد تواجه تحديات تلامس احتمالات التقسيم المجتمعي، وقد تختزل الصراع الدولي الذي وإن لم يعد يحمل عنواني الاشتراكية والرأسمالية، فإنه ظل بين شرق أوكراني يمم وجهه شطر موسكو، وغرب أوكراني يستهويه الولاء للغرب .
في مطلق الأحوال، ليس من المبالغة في شيء القول إن الأزمة الحقيقية في أوكرانيا بدأت الآن . فموازين القوى الداخلية ليست محسومة لمصلحة "المعارضة"، وهذا ما يفسّر انقلاب قادتها على الاتفاق الذي أبرم مع الرئيس برعاية أوروبية، فقط بعد بضع ساعات من إبرامه .
عودة على بدء، فلا خلاف على الدور الخارجي في رسم الصورة، وإذا كان الغرب قال كلمته في هذه الجولة، فإن روسيا لم تقل كلمتها بعد، وهذا ما يعنيه تحذير باراك أوباما لموسكو، وهذا ما يعنيه أيضاً الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفرنسي هولاند مع فلاديمير بوتين . روسيا تملك أوراقاً بشأن أوكرانيا أكثر بكثير مما تملك دول الغرب مجتمعة . ما أن استولى قادة التمرّد على السلطة حتى مدوا أيديهم للاتحاد الأوروبي طالبين خمسة وثلاثين مليار دولار . ليس هناك عاقل واحد يفترض أن دولاً تغرق في أزماتها تستطيع تلبية هذا الطلب .
الورقة الاقتصادية ستكون حاسمة في الصراع في أوكرانيا وعليها . فهي مديونة لروسيا بثلاثة مليارات دولار أثمان للغاز الذي إن أوقفته موسكو سيتجمد الأوكرانيون برداً . هناك اتفاقية قرض من موسكو لكييف بخمسة عشر مليار دولار لم يستكمل بعد . الصادرات الأوكرانية من كل نوع تكاد روسيا تكون سوقها الوحيد، وهي تحظى بأفضلية وتسهيلات جمركية، وقد هدّدت موسكو باستخدام أوراقها تباعاً، وستكشف الفترة المقبلة أننا أمام مثال آخر على أن الحراك الحقيقي هو ما يبني نظاماً وليس ما يسقطه .

أمجد عرار

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"