أزمة دارفور والمخرج السياسي

البعد الثالث
04:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

قادت جنوب إفريقيا وليبيا من داخل تركيبة مجلس الأمن الدولي توجهاً حيال مذكرة الاتهام التي رفعها مدعي المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير يدعو إلى تأجيل أو تجميد أو تعليق خطوة المدعي على خلفية الموقف المشترك للاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، لكن جلسة مجلس الأمن التي خصصت للتجديد لقوات (اليوناميد) المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي خرجت بحل شبه وسط بأن يأخذ المجلس علماً بمخاوف الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية بأن خطوة مدعي المحكمة الجنائية الدولية لها مردود سلبي على موقف السلم والأمن في دارفور. ومعنى ذلك أن المجلس يمكن أن يعود لاحقاً لبحث الأمر، خاصة بعدما جدّد للقوات الهجين (اليوناميد) عاماً آخر.

ومن حق الحكومة السودانية أن تقلق، لأن اتهاماً بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي قد طالها، وهي سابقة بأن توجه اتهامات لرأس دولة وهو على دفة الحكم، ورب ضارة نافعة، فقد أدت الاتهامات إلى ترابط وتلاحم الجبهة الداخلية بما في ذلك المعارضة، كما أن المسيرات والاحتجاجات الشعبية التي خرجت في الشوارع، سواء في العاصمة السودانية أو الولايات، رغم أنها لا تؤثر في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، توجه رسالة للمجتمع الدولي بأن أهل السودان قد فهموا خطوة مدعي المحكمة الجنائية الدولية على أساس أنها استهداف للبلد والأرض، وليس لشخص رئيسها، كما أدركوا أن الاستهداف الدبلوماسي والسياسي للسودان قد تبلور ودخل مربع المواجهة من البوابة القانونية لتغطية الطبيعة السياسية لذلك الاستهداف.

ويكفي أن صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية اعترفت بأن زيارة الرئيس البشير إلى ولايات دارفور الثلاث بعد صدور اتهامات الجنائية الدولية، كشفت أن أهل دارفور مع البشير، وإلا فكيف تخرج تلك الجموع البشرية لاستقبال شخص يزعم مدّعي الجنائية الدولية، لويس أوكامبو، أنه أباد بعض أهلهم وارتكب الجرم في حق ذويهم؟

الناس محتارون يسألون عن المخرج، وعلى الرغم من أن الحكومة تركز في رفعها على أنها لم تصادق على معاهدة روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم فهي ليست عضواً فيها وغير معنية بها، ولا ينعقد للمحكمة اختصاص، فإن الماثل أن المحكمة الجنائية الدولية تم تحويل ملف الوضع في دارفور إليها بموجب تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية من قبل مجلس الأمن الدولي إعمالاً للفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية. والمخرج القانوني بناءً على ذلك لا يكون بالتمسك بأن السودان ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، بل الطعن في أن تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية نفى وقوع إبادة جماعية أو تطهير عرقي في دارفور، فهل يحق لمدعي المحكمة الجنائية الدولية أن يخالف تقرير تلك اللجنة الذي بُني على أساسه تحويل الأمر لمحكمته؟

أما المخرج الأفضل، فهو السياسي، خاصة أن الحكومة تعرف أن الاستهداف نفسه سياسي يتدثر في لبوس قانونية، ومن ثم فإن دهاليز السياسة هي الخيار المنطقي، ومن داخل مجلس الأمن الدولي نفسه. وقد بدأت الخرطوم فعلاً تحركات في هذا الاتجاه تمثلت في وفود طافت وجابت الدنيا لاستقطاب دعم الدول الصديقة ورفع وتيرة الضغط السياسي على مجلس الأمن. ويلزم الحكومة إجهاض محاولة خلق ارتباك أو فوضى في دارفور بالتزامها بحماية قوات اليوناميد ومعسكرات النازحين من خطر مداهمتها بواسطة الحركات الدارفورية المسلحة، مثلما التزمت بجبر الضرر على من وقع عليه، وتعويض من مسه الضُر في حرب دارفور، وأيضاً مثلما وافقت على التفاوض مع كل الحركات الدارفورية، من دون فرز للتوصل إلى تسوية شاملة على هدي اتفاقية أبوجا، ومثلما قامت بتفعيل المحاكم السودانية التي أنشأتها من قبل لمحاكمة من يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

إذاً، الحل بالدرجة الأولى سياسي، وهذا في ما يبدو ما فهمته الخرطوم بدليل تشكيلها لجنة على مستوى رفيع لإدارة الأزمة. فالاعتراف بوجود أزمة يشكل نصف الحل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"