التحرك الصيني نحو دارفور

البعد الثالث
04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

انتظرت الصين حتى طوت ألعاب الأولمبياد أذيالها في بكين وبدأت تحركها المساند للحكومة السودانية ضد المحكمة الجنائية الدولية، فقد وصل مبعوثها الخاص لدارفور تشاى جيون إلى الخرطوم في آخر شهر أغسطس/ آب والتقى عدداً من المسؤولين بمن فيهم الرئيس عمر البشير، وكان أقوى ما صدر له من تصريحات قوله إن بلاده لن تسمح بما يعرقل جهود التسوية الجارية في إقليم دارفور. والإشارة واضحة لمزاعم مدعى المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، التي أُعلن المبعوث الصيني ضرورة تجاوزها بالإسراع في التوصل إلى حل عادل لأزمة دارفور من خلال تعاون بلاده المثمر مع الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي البوركينابي، جبريل باسولي.. والتحرك الصيني مفهوم وتوقيته كذلك، فالصين عارضت قيام محكمة الجنايات الدولية وعارضت إحالة ملف دارفور إليها رغم اقتناعها بعدم افلات كل من اقترف جريمة تستحق العقاب خلال أزمة دارفور 2003-،2008 ذلك في جلسة مجلس الأمن الدولي بتاريخ 31 مارس/ آذار ،2005 لكنها اكتفت بالامتناع عن التصويت شأنها شأن الولايات المتحدة وروسيا، وكان يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) في ذلك اليوم.. تلك واحدة.. ثانيها إن الصين لها مصالحها في السودان، فعن طريقه انفتحت لها أبواب القارة الأفريقية، واكتفت في بداية معركة الخرطوم مع أوكامبو بالتأييد الحذر للسودان، أما الثالثة فتتمثل في إدراك الصين بأن الأجندة الخفية لكل من امريكا وبريطانيا وفرنسا في دارفور تشتمل على بند يخصها هي لوقف زحفها على القارة السمراء. وتبعاً لذلك فإن الصين طرف أصيل في قضية دارفور وليست مجرد مساندة للخرطوم بحكم الصداقة والتعاون القائمين بينهما، وهذا يفسر عزم الصين على المساهمة في حلحلة أزمة دارفور باستراتيجية تجمع بين الدبلوماسية والسياسة وبين التعاون والتنسيق مع الاتحاد الافريقي على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

ويرجع تاريخ العلاقات السودانية الصينية إلى خمسين عاماً خلت حينما اعترفت حكومة الجنرال إبراهيم عبود في نوفمبر 1958 بالصين الشعبية، في زمن التراجع الدولي عنها والذي تركها خارج عضوية الأمم المتحدة نفسها.. وتطورت تلك العلاقات التي كانت قاصرة على صناعة النسيج والطرق والجسور، تطوراً دراماتيكياً خلال عهد الانقاذ الذي بدأ في الثلاثين من يونيو/ حزيران 1989.

والصين تعلم أن منطقة دارفور تعوم فوق بحيرة بترولية تتكاثف عند ما يعرف بالخريطة البترولية بمربع 12 الذي ينحدر من دارفور إلى تشاد وهو شان تتكالب عليه أمريكا وقبلها فرنسا، خاصة أن في باطن أرض دارفور نحاساً ويورانيوم ونهراً مائياً ضخماً، وقد روج للأخير العالم المصري بروفيسور الباز، ويعتقد البعض أن إسرائيل التي تصارع مبكراً من اجل الماء تلعب أصابعها في ميدان دارفور من طرف خفي، وتركز الصين في بحثها عن حل سريع لأزمة دارفور على العنصر السياسي مصحوباً بالبُعد الإنساني والعامل الإفريقي.. فهي تحمي مصالحها الاقتصادية والتجارية في السودان من جهة، وتعول على انفتاحها على القارة الإفريقية من بوابة دارفور نفسها من جهة ثانية، وتوطد صداقتها مع الخرطوم في نهاية المطاف، وهو ثالوث كفيل بأن يجعل الصين طليعة كتيبة مساندة السودان دولياً ومساعدته محلياً واقليمياً لينعتق من أسار أزمة دارفور.. وتبدو الصين واثقة من مقدرتها على تجاوز كافة التحديات المتعلقة بدارفور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"