أمل في حل وسط

البعد الثالث
04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

فاجأ مدعي محكمة الجنايات الدولية، لويس أوكامبو، المجتمع الدولي بطلب توقيف ضد الرئيس السوداني المشير عمر البشير، على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في دارفور، حسب تعبيره. ووضع أوكامبو لائحة اتهاماته تلك أمام ثلاثة قضاة لينظروا فيها خلال فترة تتراوح بين سته أسابيع وثلاثة أشهر، يقررون بعدها إن كانت الأدلة كافية أو غير كافية، أو أن التهمة باطلة، أو أن على البشير أن يبرئ ساحته. ووفق محامين وقانونيين داخل وخارج السودان، فإن اتهامات أوكامبو بالصورة التي طرحها من الصعب التدليل عليها أو إثباتها. وليست تلك هي القضية، فالحكومة السودانية من جانبها رفضت تلك الاتهامات جملة وتفصيلاً. وفندتها على أساس أن محكمة الجنايات الدولية لا تنعقد لها الشرعية تجاه السودان الذي لم يصادق على معاهدة روما المنشئة للمحكمة في العام ،1998 وأن إحالة مجلس الأمن الدولي لقضية دارفور الى تلك المحكمة يحيلها من خانة القانون الى بوابة السياسة والبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، علاوة على أن محكمة العدل الدولية أصدرت قراراً في العام 2003 بعدم جواز تقديم رئيس دولة، وهو على سدة الحكم، للمساءلة أو المحاكمة بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، بحكم أنه يمارس صلاحيات دستورية مكفولة له بالدستور والقانون.

ومن الثابت دولياً، أن محكمة الجنايات الدولية التي أنشئت بموجب معاهدة روما في ،1998 كان الغرض منها تفادي إنشاء محاكم جنايات خاصة مثل التي أقيمت لسلوبودان ميلوسيفيتش (يوغسلافيا السابقة) ولتشارلز تليلور (ليبيريا) أو الجنرال بينوشيه (تشيلي)، لكن الولايات المتحدة الأمريكية اشترطت لموافقتها على قيام محكمة جنايات دولية في (لاهاي) بهولندا، من دون أن تنضم إلى عضويتها، أن يستثنى المواطنون الأمريكيون من المثول أمام تلك المحكمة، حتى ولو ارتكبوا جرائم حرب وإبادة جماعية وما إليه. وتلك كانت صفقة انتقائية، جردت تلك المحكمة من أبجديات الحياد والعدالة. وزاد الطين بلة أن تشكيل هيئة المحكمة شمل قضاة من بلدان غير معترفة بالمحكمة أو منضمة لعضويتها مثل أمريكا، ومن بلدان الهيمنة أو البلدان النافذة والمستنفذة عالمياً، وفي ذلك استغفال قانوني وعدلي. فالشاهد أن عضوية محكمة الجنايات الدولية في حدود مائة وست دول بينها دولتان عربيتان فقط، هما الأردن وجيبوتي، فيما تتردد دول إفريقية وآسيوية وإسلامية في تصديقها للانضمام، على خلفية أن المحكمة تستهدف الدول النامية والمستضعفة، وتكرس لهيمنة الدول الثرية والقوية على بقية الدول الفقيرة والمستضعفة، والسودان احدى الدول التي لم تصادق على اتفاقية روما، وليس من حق محكمة الجنايات الدولية حشر أنفها في شأنها، لكن الثغرة جاءت من قرار لمجلس الأمن الدولي فيه إشارة الى تعامل تلك المحكمة مع أزمة دارفور السودانية، وتلك الثغرة هي التي يمكن للسودان استثمارها في دفاعه عن نفسه وعن رئيسه.

صحيح أن اتهامات مدعي محكمة العدل الدولة مجرد طلب حتى الآن، وإن تعدى فيه صلاحياته فحدّد للمحكمة ما ينبغي أن تصدره من حكم تجاه الرئيس السوداني بتجميد أرصدته وتحديد إقامته ومصادرة ممتلكاته، وما إلى ذلك. ومن الواضح أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا تقف مع مدعي محكمة الجنايات، لكن إيداع طلبه للمحكمة بتوقيف الرئيس السوداني أتى بنتائج عكسية تمثلت في توحيد الجبهة الداخلية، وفي التعاطف الإفريقي والعربي مع الحكومة السودانية، وربما الآسيوي والاسلامي الذي قد يتصدى في النهاية ككتلة لخطوة مدعي محكمة الجنائيات الدولية لإجهاضها، خصوصاً وأن الصين بوصفها شريكاً للسودان ومستثمراً طليعياً فيه، رفعت بطاقة حمراء ضد إجراء مدعي محكمة الجنايات الدولية.

المواجهة بين حكومة السودان والأمم المتحدة واردة في حالة أن المسألة دخلت أروقة مجلس الأمن الدولي. وجل المؤشرات تصب في تجاوز طلب مدعي محكمة الجنايات الدولية، وهو الأول من نوعه في التاريخ الحديث، لتوقيف رئيس دولة وهو على سدة السلطة، ومعالجة الأمر بحكمة سياسية. وفي يد مجلس الأمن الدولي تعطيل الإجراء لعام قابل للتجديد.

إذن، هناك أمل في حل وسط، حتى لا تكون أولى آيات محكمة الجنايات الدولية (كفراً) ينفر الدول المنضوية تحت لوائها أو المترددة أو الخائفة من تكرار تجربتها الماثلة مع السودان، مع دول أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"