إدارة أوباما والانقلاب على “جنيف - 2”

04:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

بدا موقف باراك أوباما ضعيفاً، من الناحية المعنوية والمنطقية، أمام فلاديمير بوتين في قمة الدول الثماني الكبرى في مسألتين: استخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام السوري، وقرار الإدارة الأمريكية تسليح المعارضة السورية . ومع أن القمة بدت في صورة مواجهة بين سبع دول غربية وبين روسيا منفردة، خاصة في مسألة الموقف من الأزمة السورية، ومع أن ميزان القوى السياسي كان مختلاً - اختلالاً فادحاً - لمصلحة الدول الغربية السبع، إلا أنها لم تكن تتمتع في المواجهة بتفوق أخلاقي ومنطقي . وهذا ما لم يستطع أوباما أن يخفيه أو يستصغر شأنه كما تعود غيره (هولاند، كاميرون) أن يفعل من دون تحرّج! لذا، بدا مرتبكاً، متردداً، غير مقنع على غير عادته، مثلما بدا شديد التناقض في خياراته المعلنة .

في اتهاماته سوريا باستخدام سلاح غاز الأعصاب جزئياً، وهو الذي بنى عليه - نظرياً - قراره بتسليح المعارضة السورية، لم يستطع أوباما إقناع بوتين بالاتهامات لضعف الأدلة التي هي، بالمناسبة، أدلة فرنسية سبق لروسيا أن وصفتها ب المفبركة . وكان واضحاً أن الروس لا يمكنهم أن يقبلوا أية أدلة، في هذا الباب، ما لم تنتج عن تحقيق دولي نزيه ومحايد، تشرف عليه الأمم المتحدة، ولا تعنيهم أدلة فرنسا والولايات المتحدة لأنها غير ملزمة في القانون الدولي، ولأن السوابق - وآخرها سابقة غزو العراق في العام 2003 - تثبت أن الاتهامات من غير دليل، عمل سياسي مغرض، وأن أزعومة امتلاك عراق صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، اختلقت اختلاقاً، من قبل الحكومتين الأمريكية والبريطانية، لتبرير غزو العراق وإسقاط نظامه وتدمير الدولة والكيان، وإعادة تركيبها على أسس طائفية ومذهبية . وكم كان دالاً أن روسيا التي رفضت اتهام دمشق باستخدام السلاح الكيماوي، لم ترفض تحقيقاً دولياً في الموضوع، فيما لم تتحمس له أمريكا ووصيفاتها الغربيات .

أما قرار أوباما تسليح المعارضة السورية فبدا غير منسجم، البتة، مع التزامه بخيار التسوية السياسية في مؤتمر جنيف - 2، بل بدا متناقضاً مع تجديد بيان قمة الثماني الالتزام بالمؤتمر عينه . وهنا لم يكن أوباما في وضع مريح، أمام بوتين، ليبرر تناقضه الصارخ هذا: بين موافقة روسيا على خيار التسوية السياسية للأزمة السورية، بما يعنيه ذلك من إدراك استحالة حلها عسكرياً، وبين تسليح المعارضة الذي لا يعني، في المطاف الأخير، سوى توفير أسباب جديدة لاستمرار القتال والحرب وتَعْصِيَة فرص الذهاب إلى حوار سياسي في جنيف . لقد بدا وكأنه يعيد ثانية نقض جنيف - 2، مثلما نقض جنيف - 1، فكان الثمن استهلاك عام من القتل والاحتراب والخراب، ومن تخريب مساعي السلام (خطة كوفي عنان)، قبل الانتباه المتأخر إلى الزمن الكثير الذي وقع هدره . فأي ثمن، يا ترى، سيدفع لعام آخر قادم ثمناً لنقض مؤتمر جنيف - 2؟

كيف نفهم هذا التحول المفاجئ في موقف أوباما من تأييد التسوية السياسية إلى المغامرة بتخريبها؟

ثلاثة أسباب تقف وراء ذلك، في ما نتصور، اثنان منهما ضعيفا التأثير، وثالثها سبب رئيس وحاسم:

* أول تلك الأسباب ابتزاز حلفاء أمريكا الأوروبيين لإدارة أوباما، خاصة بريطانيا وفرنسا، والمزايدة عليها بإعلان نيات الدعم وتسليح المعارضة . (والسؤال: لماذا لم تفعل باريس ولندن ذلك، حتى، الآن رغم أن حكومتيهما صمتا آذان العالم بالكلام الغزير عن التسليح؟) . وقد بلغ الابتزاز مداه بتأكيد العاصمتين استخدام دمشق السلاح الكيماوي، ما زاد في إحراج إدارة أوباما .

* وثانيها ضغط المعارضة الجمهورية - وزعيمها جون ماكين - على أوباما، باسم التلكؤ في دعم المعارضة (بعد أن لم يعد الجمهوريون يطالبونه بالتدخل العسكري بسبب مزاج أغلبية الأمريكيين المناهضين للتدخل) . وهو ضغط يستثمر موقف بريطانيا وفرنسا ليعزز به نفسه في مواجهة الإدارة .

* وثالثها، وأهمها على الإطلاق، الواقع الجديد الذي فرضته معركة القصير التي حسمها النظام السوري لمصلحته، فألحق بالجماعات المسلحة هزيمة قاسية اختل بها توازن القوى بين الفريقين . ولقد كنّا نبّهنا في مقال سابق، إلى أن نتائج معركة القصير قد تعصف، بجنيف - 2 لأنها تفقد المعارضة السورية والإدارة الأمريكية معاً، أية ورقة على مائدة المفاوضات مع النظام السوري، وقد تجرّب أمريكا - تبعاً لذلك - إفشال عقد المؤتمر إلى حين بناء توازن جديد . ولقد حصل ما توقّعناه تماماً في ذلك المقال، فالأمريكيون، اليوم، يبرّرون قرارهم بتسليح المعارضة بالحاجة إلى استعادة التوازن العسكري الذي اختل بعد معركة القصير . لكنهم إذ يُصرّحون بذلك - ولو بدعوى أن ذلك التوازن هو ما سيجعل التسوية ممكنة - ينسون أنهم برروا قرار تسليح المعارضة باستخدام النظام السلاح الكيماوي .

صورياً، تحاول إدارة أوباما - بقرارها تسليح المعارضة - إعادة تمكين الأخيرة من موقع تفاوضي متوازن مع النظام . أما في الواقع، فهي تحاول، بذلك القرار، أن تؤمن لنفسها موقعاً تفاوضياً أفضل في مواجهة المفاوضين الروسي والسوري .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"