السلام وطبول الحرب

05:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالله السويجي

كيف يمكن للسلام أن يتحقق بينما يدق الجميع طبول الحرب؟ سؤال هائل هول فوضى السلام المراد تحقيقه وفق فوضى الحرب. وهول الحرب التي يؤججها اللاعبون الكبار في المنطقة العربية في ظل نوايا السلام ووهمه، وكأن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا على حاملة الطائرات أو الصواريخ العابرة أو القصف والقتل والذبح والحرق والاجتياحات، وكأن لغة القوة هي الفاصلة بين أطراف النزاع، وهي التي تحدد مسار التفاوض والاتفاق، وفي رأيي المتواضع أن هذه الصيغة تجبر طرفاً على الجلوس على طاولة المفاوضات، ويخضع للشروط التي يمليها صاحب القوة. وهذا السلام، لو تحقق بهذا الشكل، سيكون قد قتل وشرّد وجرح وأعاق ملايين البشر، وهدم وحرق ملايين البيوت والأشجار والمدارس والحدائق، ودمر البنية التحتية والاقتصاد.

منذ سنوات والسياسيون، وهم اللاعبون الرئيسيون في كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن أيضاً، يقولون إن السلام هو الحل، وإن القتال لن يحسم الاختلاف بين الفرقاء. وفي الوقت ذاته، يقوم اللاعبون بتزويد الأطراف بالسلاح «الفتاك» الهجومي والدفاعي، وأمراء الحرب يزدادون غياً ورعونةً، والناس يزدادون بؤساً وفقراً ومرارةً.
السياسيون في ليبيا كأنهم يلعبون لعبة سياسية فقط، وأنهم يعيشون في ظل أجواء سلم وديمقراطية، يتفقون اليوم ويخلفون اتفاقهم غدا، بعضهم يوافق على حكومة وحدة وطنية، والبعض يرفضها، ويتم تأجيل النقاش حول النقاط المستعصية على الحل، وكأن الزمن كفيل بها.
وفي العراق، حيث يحتل «داعش» آلاف الكيلومترات من الأراضي العراقية، ينشغل السياسيون في بغداد وإقليم كردستان بقضايا إدارية ونزاعات سياسية لا نقول إنها تافهة، ولكنهم لا يعطون الوقت الكافي لعدوهم الرئيسي الذي يهددهم بالذبح وبالسبي والحرق والقتل، وتتناحر القبائل مع القبائل، والحشد الشعبي مع العشائر، والحكومة مع «الفاسدين»، والفاسدين مع الجشعين، وكل يوم يعلنون البدء في تحرير منطقة ما، ويعلنون أن العملية ستبدأ غداً، بينما يتم تأجيل المعركة في كل مرة، بينما «داعش» يوطد حكمه في الموصل وغيرها.
وفي سوريا، الكل يبحث عن السلام وفق طريقته، النظام بمحاربة «الإرهاب» الذي كان معارضة في وقت ما، والمعارضة بمحاربة ذاتها، و«داعش» تحارب «النصرة»، و«النصرة» تحارب «الجيش الحر»، وتركيا تحارب النظام، وروسيا تدافع عن النظام. والولايات المتحدة، التي تدعي أنها تحارب «داعش» منذ عام ونصف دون تحقيق تقدم يذكر، يقال إنها ترمي الأسلحة من الجو للجيش الحر، الذي لا نعلم له وجوداً محدداً على الأرض، ولا قيادة محددة، والولايات المتحدة تريد تحقيق السلام في سوريا، من دون أن تدمر المؤسسات، تريد الأسد ولا تريده. وأوروبا منقسمة على ذاتها بشأن الرئيس الأسد، ألمانيا موافقة على مشاركته في الحرب على «الإرهاب» ومشاركته في الفترة الانتقالية، وفرنسا ترفض أي دور للأسد، وباقي الدول الأوروبية بدأت تنسحب تدريجياً ومنشغلة الآن باللاجئين السوريين وغير السوريين.
ظل الوضع السوري يراوح مكانه، مع خسارات كبيرة للنظام، وأحيانا للمعارضة، حتى تدخلت روسيا بثقل فاجأ الجميع، زاد من سرعة وجودها في سوريا، وتدخلت بشكل مباشر في القتال، وصرح رأس الهرم الروسي الرئيس بوتين بالقول: «نعم نحن ذاهبون لحماية النظام السوري». فقلب الطاولة على الجميع في البداية، لكنه عاد إلى اللغة الدبلوماسية المراوغة، فمرة يقول إن الشعب هو الذي يقرر مصير بشار الأسد، ومرة يطلق عملية سياسية ويبحث عن المعارضة للتفاوض، ومرة يطمئن الأسد، وبين هذا وذاك يقوم بقصف عنيف لمواقع المسلحين، حيث لا يعترف بوجود معارضة معتدلة أو غير معتدلة، فجميعهم إرهابيون.
التحليلات التي تحاول فهم التدخل السوري لاتزال نشطة حتى الآن، بعضها يتحدث عن مصالح استراتيجية، وبعضها يشير إلى استمرار الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ولا يفوتهم التعبير عن دهشتهم من التحالف الروسي ــ الإيراني (نظام ديني ونظام ديمقراطي علماني)، والسياسيون أدلوا بدلوهم العجيب وأولهم الولايات المتحدة الأمريكية التي قالت إن التدخل الروسي يعقد المشكلة السورية، ثم تقوم سراً وعلانية بالتنسيق مع روسيا في شن الضربات الجوية، والحرص على عدم الاصطدام، وينتهي الجدل هنا بين القوتين العظميين. بل إن التنسيق الذي تقوم به روسيا شمل الكيان الصهيوني، وتوصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بعدم اعتراض السلاح الجوي الروسي لحركة الطائرات «الإسرائيلية». ولم يعترض النظام السوري على هذا التنسيق! ولم ينتقد حليفه الرئيسي حزب الله اللبناني أيضاً، بل رحب بالتدخل الروسي.
اللعبة السياسية مستمرة، لكن الأخطر منها هي اللعبة العسكرية التي تسير بشكل متوازٍ معها، وإذا كان ضحايا اللعبة السياسية غير مرئيين حتى الآن، فإن ضحايا اللعبة العسكرية واضحون وضوح الشمس، ومع كل جولة قتال يسقط قتلى وجرحى ويتهجر أناس من بيوتهم، ويزداد الدمار في الممتلكات والنفوس، ولعل دمار النفوس أعظم، وسيتبين حجمه المفجع بعد انتهاء الحرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"