امرأة

كلمات
05:22 صباحا
قراءة دقيقتين

تأخذها الدنيا صباحاً ومساء في البحر المتلاطم في أمواجه كقشة تتقاذفها الأمواج، تارة ترميها على الشاطئ ثم تعود وتسحبها إلى الأعماق، لتستفيق صباحاً فيذكرها من يذكرها بأنها امرأة. نعم ذكرتها الرسائل الصباحية بأنها امرأة بعدما نسيت هذا الأمر تماماً.

كتب لها، بعد الصباحات الجميلة والدعاء الأجمل، عيد المرأة العالمي اليوم، ولازم نعيّد عليك وإن شاء الله ترتقي في عملك كمان وكمان. تساءلت: ماذا تعني كلمة امرأة، لم يعد لها منها شيء غير سد خانة في الأوراق الرسمية تقول إنها أنثى، حتى لم يحددوا صنفها إن كانت أنثى إنسان أو حيوان أو طير، أنثى تولد وتلد، مع أنها ولدت أنثى، لكنها لم تلد بقيت مصنفة أنثى مع وقف التنفيذ، منذ ميلادها وحتى لحظة مماتها ستبقى أنثى، تحمل منذ قيام الأرض خطيئة نون النسوة.

توالت التهاني وهي كما هي أنثى لا تغيّر الرسائل فيها شيئاً جديداً. اكتشفت أنها امرأة، وعلى مدى سنوات عمرها سرق منها الكثير من مقومات صنفها، وعرفت أنها هي السبب، فأول سرقة سكتت عليها كانت عذراً لبقية السرقات، خاصة أنها لم تعترض ولم ترفض واستسلمت حين سرقت منها نون النسوة.

لكنها خطيئة الأرض، لذلك تركتها فقط لتعيش ككل مخلوقات العالم. ما يضرها أن تكون أنثى بشر أو أنثى بقر، طالما أنها مربوطة كالثور بالساقية، وكالجمل من كثر ما تحمل من المسؤوليات والهموم، وكالأسد إن اقترب أحد من عرينه، وكالنعجة حين تنهمر العصي على ظهرها، وكالحمار حين تستيقظ في الصباحات الباكرة تحمل على ظهرها متطلبات الصغير والكبير، وتتراقص كالقرد حين يكون عليها أن تخفي دمعها وغصتها لتثبت للجميع أنها فرحة وسعيدة وراضية، وتفرد ريشها كالطاووس لتثبت للجميع أنها سيدة المكان، وكالعندليب حين يكون عليها أن تطرب من حولها. في نهاية المطاف من يستطيع أن يفرق بين أنثى الحمار والذكر، طالما أن الاثنين كتب عليهما حمل الأثقال.

كنا نجلس في البيوت معززات مكرمات مدللات في بيوتنا، وجاء الرجل ليلقي الأب بابنته والأخ بأخته والزوج بزوجته، كل رجل قذف بالمرأة خارج مملكتها، ونصب لها مملكة أخرى وجعلها خادمة فيها.

ما زلت مؤمنة إيماناً كاملاً بأن الأعياد التي استحدثت لنا ليست أكثر من تكفير ذنب حتى ينام الرجل بعمق، بعدما ضيعنا الأشياء كلها، وإلا لماذا لم نسمع عن عيد الأب، واليوم العالمي للرجل، وحقوق الرجل؟ لماذا يتملكني شعور الآن بأن الرجل وراء كل هذه المكائد؟

رغم كل ما قالت، وكل ما كتبت، بقيت رسالته ترسم لها طريق النحلة وطريق الجاردينيا، بعد كل هذا العمر جاء يكتشف أنها امرأة، وهذا يكفيها عن أعياد الدنيا كلها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"