رحيل مفكر عربي

كلمات
03:53 صباحا
قراءة دقيقتين

شهقت وبكيت صباح أمس حين وجدت نعيه على الصفحة الأولى، قلت لوالدتي حدثته على الهاتف لأدعوه لمشاركتنا مؤتمرنا العام الماضي، قال: سأحضر إن نسيني الموت، وكان في العمر بقية وفي الصحة متسع للسفر . لم أعد أقوى على السفر . ما زلت تحت تأثير الوعكة الصحية التي ألمت بي مؤخراً . قلت له يحتاج إليك العقل العربي بصحة وعافية لتوقظ الوعي فيه، قال لا فائدة لعربي غيب عقله في ما ليس له، العمر يمضي سريعاً والعمل يأكل من أجسادنا، والمسؤوليات تنخر في أرواحنا .

محمد عابد الجابري المفكر والفيلسوف العربي الذي فارقنا يوم الاثنين الثالث من مايو ليهز غيابه أعمدة الفكر العربي، عملاق الأدب والفكر والفلسفة، ذاع صيته في العالم أجمع وكان ابن خلدون القرن العشرين، أعادنا بلغته البسيطة وفكره العميق ووعيه اللامتناهي إلى عصر الفلاسفة المسلمين من ابن خلدون إلى ابن رشد إلى الغزالي، أخذ على عاتقه إيقاظ الفكر والوعي والعقل العربي، وفند مشكلاتنا الفكرية والتربوية والمجتمعية من أجل رؤية تقدمية واعية تواكب العصر .

ليس مديحه موضوع الحديث في هذه السطور . كلكم يعرفه أكثر مني، لكنني وددت أن أذكر لحظات تاريخية سطرت في حياتي عن طريق عملي الحالي، حيث كنا في صدد تنظيم مؤتمر يتناول الهوية الوطنية ومن صميم عملنا أن نبحث ونقرأ للمؤلفين الذين تناولوا موضوع الهوية الوطنية، وكان على رأس المفكرين العرب محمد عابد الجابري، بالإضافة إلى كل من المفكر الجزائري محمد أركون، والدكتور طارق رمضان الأستاذ المحاضر في علوم الإسلام في أوكسفورد، والبروفيسور ياسر سليمان أستاذ اللغة العربية ودراسات الشرق الأوسط، وغيرهم من عمالقة الفكر والفلسفة .

أرسلت للدكتور محمد الجابري رسالة إلكترونية بتاريخ 3 نوفمبر 2008 أدعوه فيها لمشاركتنا مؤتمرنا، لأفاجأ في اليوم الثاني 4 نوفمبر ،2008 برده بالموافقة وكان النص أشكركم على دعوتكم الكريمة وأرحب بها بالموافقة المبدئية، في انتظار تحديد اليوم أو الأيام التي سيكون عليّ الحضور معكم خلالها في المهرجان، ذلك لأن لدي التزامات أخرى في الشهر نفسه . ومن جهة أخرى أفضل أن تحددوا لي نوع المساهمة المطلوبة مني: محاضرة في موضوع محدد، مجرد مداخلة أو مداخلات أثناء ندوات المهرجان . . إلخ . أملي أن تتحسن ظروفي الصحية حتى ألبي هذه الدعوة الكريمة في أحسن الظروف .

بعدها كان الاتصال الذي شمل الحوار السابق ذكره . لماذا أذكر هذا كله؟ ذكرته لنعي حجم الخسارة الكبيرة التي مني بها الوطن العربي الذي يغط في ظلمات الجهل والتخلف، خاصة بما يدور حوله وما يخطط له، مفكر بحجمه يتواصل بذاته بالرسائل والاتصال من دون عوائق أو سكرتارية، ويرحب بلا أدنى شرط أو قيد في المشاركة، ويؤكد أنه لن يعيقه عن الحضور إلا أمر الله .

ما زال صوته المتهادي يرن في أذني . رحل محمد عابد الجابري ليرحل معه مفكر العقل العربي، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهم العقل العربي الصبر والسلوان .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"