بين المخيف والمخيّب

02:30 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد عبيد
التحليل السياسي الذي تسوّقه الولايات المتحدة لكثير من قضايا العالم يستحق التوقف إزاءه وتفحصه بشيء من الاهتمام، كونه يفرز أحياناً تناقضاً صارخاً في المواقف، أو يعبر عن وضع ملتبس أو فهم مقلوب لمجريات الأوضاع، وتطورات أي قضية تجد واشنطن نفسها أمامها في حاجة لاتخاذ موقف، أو بناء سياسة أو وضع استراتيجية .
لكن الإدارة الأمريكية شأنها شأن أي قيادة سياسية لقوة دولية عظمى، تقع في فخ اجترار المواقف، واللجوء أحياناً إلى قرارات "قياسية" كأنها موضوعة في "كاتالوغ" أو دليل ل "أفضل الممارسات"، وذلك ما يجعل المراقب في كثير من الأحيان يلحظ غياب قوة التأثير الناتج عن أي قرار يصدر عن واشنطن، وكأن اتخاذ القرار بات أمراً مفروضاً بقوة العادة، لا مرتبطاً بالحاجة الآنية أو الاستراتيجية .
آخر ما لجأ فيه الرئيس الأمريكي إلى "دليل الممارسات القياسية" كان تصريحه قبل أيام أمام عدد من كبار رجال الأعمال بأنه "غير متفائل إزاء إمكانية قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتغيير مساره تجاه أوكرانيا وأنه سيستمر في الأفعال التي ستزعزع استقرار المنطقة"، مرجعاً ذلك "جزئياً" إلى اعتقاده أن "الموقف في أوكرانيا فاجأه، فجعله يرتجل نهجاً قومياً يبدو رجعياً في السياسة الروسية يخيف جيرانه، كما يلحق أضراراً جسيمة باقتصاده" .
تحليل يحتاج إلى جملة موسيقية من التصفيق، فهو يتتبع حرفياً الكتيب، لكنه يستعين بكتيّب غزاه الغبار، بعدما وضع على الرف منذ انتهاء الحرب الباردة، ومهما حاول أوباما أن يضخّم النهج "المخيف" لنظيره الروسي، فإنه لن يستطيع إخفاء نهجه وإدارته "المخيّب"، وغير القادر على مجاراة التطورات ومواكبة المستجدات التي تتسارع في أكثر من ملف .
نصيحة أخرى جديرة بالتمحيص، هي تلك التي وجهها أوباما في المقام ذاته إلى نظيره بوتين، بالقول إن الأخير لن يغير عقليته حتى "تلحق السياسة الروسية بما يجري في الاقتصاد داخلها"، ولعله هنا لا يعني حالة الاقتصاد الروسي وعلاقاته في المحيط والخارج، بقدر ما يشير إلى أثر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون على موسكو، منذ تفجر الأزمة الأوكرانية، في رد فعل بدا وما زال يبدو قاصراً عن المواجهة، وملتزماً بمنظور ومبادئ الحرب الباردة، ولعله يقصد أيضاً توجيه رسالة إلى رجال الأعمال الروس، في دعوة مبطنة إلى الاحتجاج على سياسات بلادهم، وبالتالي تشكيل حالة ضغط على المستوى السياسي لتغيير مواقفه وسياساته، وهذا يبدو خياراً آخر مخيباً، كونه لن يلقى صدى، وإن لقي فلن يتحول إلى واقع على الأرض .
لماذا لا ينظر أوباما إلى سلسلة الخيبات التي جناها وتسبب بها لإدارته وحزبه على مدى سنوات ولايتيه السابقة والحالية، والتي أسفرت عن فقدانه الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وجعلته واقفاً مع قيادات إدارته على ما يشبه جزيرة معزولة، نتيجة سخط الخصوم والحلفاء أحياناً على قرارات إدارته وتوجهاتها تجاه أكثر من ملف؟ أليس الأولى به أن يتخذ ناصحاً بدل أن يحاول الظهور بمظهر الحكيم الناصح لغيره؟
لعله تكتيك عابر تهدف واشنطن من خلاله ستر عيوبها وعورتها، لكن هذا التكتيك لن يساعدها على المدى القصير، وعلى الأغلب سيساهم في كشف سياساتها أكثر، وإظهار عوار مواقفها للعيان أكثر .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"