حقيقة الانتخابات الأفغانية

04:39 صباحا
قراءة 4 دقائق

مع فجر كل يوم جديد، تزداد القناعة بأن وجود القوات الأمريكية والبريطانية في العراق وأفغانستان يصب الزيت على نار الحرب الأهلية المشتعلة في البلدين، ويسهم في تصعيدها.

وتصر حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا على تجاهل حجم الأثر والضرر الذي تحدثه قوات الاحتلال العسكري على استقرار العراق وأفغانستان.

وأعتقد أن السبب الذي يجعل قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني، معاول هدم للاستقرار يجب أن يكون واضحاً، فالتاريخ يذكرنا بأن أي احتلال أجنبي لأي بلد نادراً ما يحظى بشعبية. والمحتلون يراعون مصالحهم السياسية والاقتصادية والعسكرية ويقدمونها على مصالح الحكومات الحليفة التي يفترض أن الاحتلال يدعمها. وهذا ينتقص من شرعية حكومتي بغداد وكابول ويمكن خصومهما من الظهور بمظهر المعارضة الوطنية.

وبالإضافة لذلك، تفرض قوات الاحتلال - مهما كانت نواياها المعلنة - سلطتها بالعنف والقوة، ولذلك تثير وتشعل الاحتكاكات مع الشعوب المحتلة.

وفي الأيام القليلة الفائتة، أشادت الصحافة الغربية بالانتخابات في أفغانستان، واعتبرتها نصراً ديمقراطياً صنعته وأشرفت عليه جيوش دول حلف الناتو، ولكن ما يهم الأفغان أكثر هو من يمسك بالسلطة حقيقة، وكيف يتعاملون معه.

وفي أفغانستان، لا يحظى الرئيس حامد قرضاي بشعبية، ولكنه يعتبر في موقف قوي كمرشح وبفضل المحاباة والمحسوبية، تمكن من الحصول على دعم قوى مؤثرة إقليمياً ومحلياً فالكثير من أمراء الحرب يدعمونه، وكذلك قادة الشرطة والمجالس المحلية، بالإضافة للزعماء الدينيين، وزعماء القبائل والعرقيات. وتغيب عن التقارير الإعلامية الأجنبية التي تناولت الإنتخابات في العراق وأفغانستان وجهة نظر المواطن العادي في البلدين الذي ينظر لحكومته باعتبارها دمية تحركها عصابة سياسية خدمة لمصالحها. وثمة مقولات شائعة يتداولها الناس في بغداد وكابول، يبررون بها تأييدهم للحكومات الحالية، فهم يقولون إن أعضاء الحكومات الحالية في بغداد وكابول نهبوا وسرقوا موارد البلاد، ووصلوا لمرحلة التخمة والشبع، لذلك فهؤلاء المسؤولون ليسوا بحاجة إلى مزيد من السرقة والاستيلاء على المال العام، فإذا أتت حكومة جديدة عبر الانتخابات ستنهب موارد البلاد أيضاً. ولكن الفرق بين الحكومتين هو أن مسؤولي الحكومة الجديدة سيكونون جوعى للمال، ويبدأون من حيث انتهت الحكومة السابقة، لذلك يرى الناس في بغداد وكابول أن حكومتيهما الحاليتين أفضل على اعتبار أنهما نالتا كفايتهما، وتشبعتا من نهب موارد البلاد.

وأطرح سؤالاً هنا، هل تضع الانتخابات، أفغانستان على مقربة من نهاية الحرب، أم تقوى الحكومة في كابول؟

اعتقد ان قرضاي إذا فاز سيستطيع أن يقول أنه اختير رئيساً في انتخابات حقيقية، وبخلاف ذلك لن تؤدي الانتخابات إلا لتأكيد قوة ونفوذ أمراء الحرب، الذين برزوا كمنتصرين بشكل مفاجئ من حرب أهلية يين طالبان التي تشكل الأغلبية البشتونية قسماً كبيراً منها، وتحالف الشمال الذي لا يضم البشتون.

وقبل أحداث 11/،9 كانت قوات تحالف الشمال محاصرة في ركن شمال شرق أفغانستان وكانت على وشك اندحارها الأخير. بيد أن الأوضاع انقلبت خلال أشهر قليلة، بعد أن قررت الولايات المتحدة بعد 11/9 إزاحة طالبان لأنها تستضيف القاعدة، واستطاع تحالف الشمال بمساعدة الأموال والقوة الجوية الأمريكية، أن يبسط نفوذه على معظم أرجاء أفغانستان، وابتهج كثير من الأفغانيين عندما أحسوا بقرب نهاية طالبان، التي كانت تحقق انتصاراتها العسكرية بفضل دعم الاستخبارات الباكستانية. ولكن معارضة طالبان لم تكن قط شبيهة بدعم تحالف الشمال، فقد اتضح أن قادة تحالف الشمال، لا هم لهم سوى السلطة والنفوذ.

وفي 2001 قضيت عدة أشهر في وادي بانشير معقل تحالف الشمال، وعندما عدت مرة أخرى لأفغانستان اوائل هذا العام، ذهلت عندما وجدت كثيراً من أمراء الحرب الذين كنت أعرفهم لا يزالون يحتكرون الوظائف والعقود والمواقع السلطوية التي تدر الأموال. والأمر السخيف فعلاً، هو أن تنتحب الحكومات الأجنبية وتبدي امتعاضها، وتلوم قرضاي لأنه صَّعد أمير الحرب التاجيكي محمد فهيم، ومعه أمير حرب آخر، وهو كريم خليلي (أحد زعماء قبائل الهزارة) لكي يصبحا نائبين له على قائمته الانتخابية، والاثنان متهمان بانتهاك حقوق الإنسان. وأعتقد أن قرضاي وببساطة شديدة، يدرك لعبة التوازنات القبلية والعرقية، لذلك اختار زعيمين من زعماء التاجيك والهزارة (فهيم وخليلي) ونحى الأخلاق وحقوق الإنسان جانباً، لتحقيق مكاسب سياسية في لعبة توازنات الزعامة والنفوذ في المجتمعات غير البشتونية. وما يفعله قرضاي قد يعد عبثاً مخلاً ببنية وهيكلية النظام السياسي الأفغاني، أو فلنقل الفساد السياسي الكبير، ولكن هذا الفساد هو ما تقاتل الولايات المتحدة وبريطانيا، للحفاظ عليه وتثبيته. وستدرك القوات الأمريكية وقوات الناتو أن حربها في أفغانستان ستطول، والحضور العسكري الأجنبي كان مقبولاً في البداية لدى الأفغان، ولكنه لم يكن مقبولاً بالمرة بالنسبة للعراقيين.

وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الأفغان الذين يؤيدون هجمات المقاومة على القوات الأمريكية وقوات الناتو تتزايد بشدة، خاصة في المناطق التي تتكثف فيها الغارات والقصف الجوي الأمريكي، وقسم كبير من الشعب الأفغاني يؤيد تقليص أعداد قوات الاحتلال، بينما أضحت حركة طالبان التي كانت تُذم سابقاً باعتبارها دمى باكستانية، حركة مقاومة أفغانية وطنية.

ومن الأمور المقلقة الكثيرة في ما يتعلق بالاحتلال الأمريكي - البريطاني لأفغانستان، عدم الاستفادة من دروس العراق. وكراهية الاحتلال العسكري احد دروس العراق الجلية، والعراق وأفغانستان دولتان تتميزان باختلافات، وانقسامات عرقية وطائفية عميقة. وأي احتلال أجنبي لهذه الدول يجد نفسه مرغماً على أن ينحاز لأعراق أو طوائف معينة في إطار الصراع السياسي - المدني.

لم تستفد قوات الاحتلال من دروس العراق، لأنها استرشدت بالمعلومات المضللة واعتمدت على البروباغندا لاستيعاب ما حدث هناك وما ينبغي عمله في أفغانستان.

ومؤخراً، ساد نقاش وجدال غير عقلاني على خلفية تفجيرات بغداد، التي قتلت أكثر من مائة شخص، وكان الجدل في الأوساط الغربية يدور حول جدوى انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية. وفي الواقع كانت الدوريات الأمريكية قليلة في بغداد منذ نهاية العام الفائت، وحتى عندما كان الأمريكيون يسيطرون عسكرياً على المدينة، لم يكونوا قادرين على إيقاف السيارات المفخخة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​ صحفي وكاتب إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"