علم نفس "سياسي"

04:02 صباحا
قراءة دقيقتين
لا يفوّت كثير من المحللين ووسائل الإعلام أي فرصة تجمع زعيمين دوليين، أو أي مأزق في العلاقات بين دولتين أو أكثر من الدول، تتخلله لقاءات بين زعماء الدول المعنية، إلا ويفردون له مساحات في الفضاء الإعلامي، محاولين حيناً البحث في ما وراء دلالات ومعاني الألفاظ والكلمات، وحيناً آخر في تفسير ما تسمى ب "لغة الجسد"، وفي حين ثالث تجاوز اللحظة لدراسة وتتبع آثار تاريخ الشخوص المعنيين على حاضرهم وبالتالي مستقبلهم، وما يحمله هذا التاريخ على مستوى عملية اتخاذ القرار، وغير ذلك كثير .
أبرز النماذج الخاضعة إلى "علم النفس السياسي" هذا، إن صح التعبير، تتمحور في المعركة السياسية القائمة بين الولايات المتحدة والمعسكر الغربي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، ومركزها القضية الأوكرانية، وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وما تشكله هذه المعركة السياسية الدولية من بيئة خصبة لتحليلات وتقديرات من كل حدب وصوب، كل منها يحمل رؤى أصحابه، وأحياناً آمالهم وأحلامهم وحتى أوهامهم، ما يحّول المسألة من قضية سياسية بامتياز إلى مجال لتطبيق أدوات تحليل لا تمت لا إلى السياسة ولا إلى العلاقات الدولية بصلة .
ما الحاجة إلى تحليل سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو نظيره الأمريكي باراك أوباما، أو تعابير وجهيهما خلال لقاء عابر أو اجتماع ثنائي؟ وما الإضافة النوعية التي يقدمها إلى التحليل السياسي القائم على تطبيقات نظريات العلاقات الدولية على اختلافها؟ الجواب بسيط ومكون من كلمتين فقط هما "لا شيء"، كون كل ذلك لا يضيف إلى عملية التحليل عنصراً نوعياً، قد يشكل مجالاً للتلهي وملء الفراغ، لكنه لا يضيف عنصراً ذا شأن .
ليس في هذا تقليل من شأن علم قائم على نظريات وتطبيقات عملية، فلكل علم مجالات واهتمامات، لكن في عالم السياسة، فإن ما يحكم ويمثل أداة تحليل قد يكون ثابتاً، كونه يتشكل من خليط المصلحة والقوة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، وبالضرورة مساعي الهيمنة وتوسيع النفوذ .
علم العلاقات الدولية يعترف بأدوات ووحدات تحليل محددة وواضحة، فإما أن تكون وحدة التحليل دولة أو منظمة دولية، وإما أن يكون التحليل قائماً على النظرية الواقعية أو الليبرالية أو غيرهما، وتلك كافية لوضع مسيرة العلاقات الدولية، وسلوك الدول والأنظمة في إطارها، وفهم أبعاد سياساتها وخطواتها، وباستخدام هذه الأدوات يمكن التوصل إلى نتائج واقعية قابلة للتشكيك والنقض بكل تأكيد، لكنها غير مشكوك في قاعدتها الصلبة القائمة على أدوات تحليل راسخة .
وإذا عدنا للمثال السابق، وطبقنا عليه نظرية العلاقات الدولية، فإننا سنتوصل بكل سهولة إلى عناصر تفسر المشهد الحالي، تتمثل في أنه عبارة عن استعراض عضلات دولي، بين قوتين عالميتين كبريين، كل منهما تحاول إثبات وجودها، وتوسيع نفوذها وبسط هيمنتها على محيطها وعلى العالم، وتعظيم مكاسبها على قاعدة "الكسب - الخسارة المطلقة"، ولا توفر وسيلة أو أداة مهما كانت لتحقيق هذه المكاسب، ما يعني بالضرورة أننا أمام صراع دولي معني بمصالح أطرافه وحسب .

محمد عبيد

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"