في الطريق إلى “جنيف 2”

02:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

لحظة وافق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على المبادرة الروسية بشأن سوريا تحولت جميع الأطراف الأخرى إلى موقع ثانوي . كان هول الضربة الأمريكية المحتملة كافياً لإعادة النظر بالحسابات القائمة على مبدأ المواجهة . وفي المقابل كانت المحاصرة السياسية المتعددة الوجوه للقرار الأمريكي مقدمة للاعتراف بمصالح الآخرين والتعامل معها . جدول أعمال جنيف 2 يعدّه الطرفان الأمريكي والروسي وهو بالضرورة يتجاوز سوريا جغرافياً إلى الوضع الإقليمي المتداخل على الساحة السورية . فإذا كانت الأمور قد اتجهت نحو التفاوض بدلاً من الحرب فجميع الأطراف تقدم مطالبها ومصالحها إلى مرجعية التحكيم الدولي كما فعل الرئيس الإيراني حسين روحاني حين دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيجاد حل للملف النووي . يمكن القول إن الأمريكي والروسي يعرفان مصالحهما ومطالبهما جيداً ونقاط التسوية فيها، لكن الأطراف الإقليميين لا يعرفون بالضبط ما هي الوظائف والأدوار والأحجام التي ستعطى لهم .

يسارع وزير خارجية أمريكا جون كيري إلى إسرائيل لبلورة عناصر التسوية في هذا الجانب، ويسارع قادة دول أخرى إلى أمريكا استكشافاً لطبيعة التسوية وحضّاً على حفظ مواقعهم ومصالحهم فيها . كل هذا المشهد أبلغ بكثير مما يتحدث عنه المحللّون الاستراتيجيون، عن الهزائم والانتصارات أو عن احتمالات وآفاق المواجهة . طبعاً لم تصبح التسوية الأمريكية - الروسية جاهزة بجميع تفاصيلها وفي أشكال وأدوات تنفيذها، لكنها وضعت إطاراً لا يمكن للآخرين تجاوزه .

في الطريق إلى جنيف 2 هناك حل سياسي للأزمة الداخلية السورية على أساس مشاركة القوى المحلية عبر صيغة انتقالية للحكم ستكون للجيش مهمة رئيسة فيها، وسيعاد توزيع السلطة وتوازنها وفق معيار جديد بين المكونات الديمغرافية للشعب السوري وليس وفق صيغة الأحزاب الوهمية .

وفي علاقة سوريا بالجوار لن تكون للنظام الجديد قدرة على التدخل في إدارة شؤون الآخرين وممارسة الوصاية عليهم خاصة في المسألة الفلسطينية مع حفظ حقه في مسألة تحرير الجولان بالتفاوض لا بواسطة السلاح النوعي . وهو نظام سينضم رسمياً إلى منظومة مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، وسيكون حليفاً ضمنياً بهذا المعنى للأطراف الدولية التي يقلقها خطر انتشار الإرهاب والتطرف، أي للأمريكيين والروس في آن معاً . وعلى هذا النظام أن يوقف دعم أي حركات سياسية مسلحة وربما أن يسهم في ترويضها . فالروس يقدمون أنفسهم كطرف حريص على القانون الدولي واحترام قرارات الأمم المتحدة ومرجعيتها، وهم في المسألة الفلسطينية أقرب للتصور الأمريكي من أي تصور عربي، وهم في مسألة الإرهاب أكثر حرصاً على مواجهة صعود وانتشار الإسلام السياسي على حدودهم . وهم في الموضوع الإيراني أو التركي مع سياسة حسن الجوار والتعاون الواسع لكنهم ليسوا بصدد إعطاء هذه الدول دور الهيمنة الإقليمية والتوسع، أو ما يسمّى الامبريالية الفرعية .

أما الأمريكيون فمصالحهم ومطالبهم واضحة من أمن إسرائيل إلى النفط إلى مكافحة الإرهاب . وهي تتجلّى بعدم التفريط بعلاقاتهم مع دول الخليج العربي والحرص على وجود أنظمة سياسية وصفت سابقاً بالاعتدال . إذا كانت هذه هي لوحة المصالح الثابتة فقد صارت صورة النظام الإقليمي الذي سينبثق عن جنيف 2 أو عن يالطا في طبعة معاصرة لن يكون نظام الصراع على إيديولوجيات كبرى أو على مشاريع مطبوعة بسيطرة طرف إقليمي أو تيار سياسي بما في ذلك حركات الإخوان وما يشبهها . بل هو قد يمر بفترة انتقالية من صراع الهويات الفرعية ونزاعاتها على السلطة داخل كياناتها الوطنية .

في الطريق إلى جنيف 2 يستعيد الشرق الأوسط واقعيته، وتسقط الكثير من الإيديولوجيات والأوهام، وتتراجع المشاريع الإقليمية الطموحة، ويتعزز أكثر مطلب الثورات العربية وشرعية وجودها، وأولوية ما قامت لأجله في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والديمقراطية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"