في قمة الاتحاد الجمركي . . أوكرانيا وتبعاتها

05:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد البطل

لم يواجه الاتحاد الجمركي لجمهوريات (روسيا، روسيا البيضاء (بيلاروس)، كازاخستان) منذ تأسيسه، قمة خاصة ومميزة، كالتي شهدتها القمة الأخيرة في مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا في 26 أغسطس/آب الماضي، سواء في صيغتها ووفودها، أو في جدول أعمالها . إذ ضم الاجتماع رؤساء دول الاتحاد الجمركي الثلاث، إضافة إلى رئيس أوكرانيا الجديد، فضلاً عن مشاركة وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي في أعمال القمة، التي طغت على جدول أعمالها قضايا الاتحاد من جهة، والأزمة الأوكرانية وتبعاتها من جهة ثانية .
فمنذ تأسيسه عام ،2007 في إطار رابطة الدول المستقلة "الكومنولث"، تميزت جمهورياته الثلاث عن شقيقاتها، بوصفها الدول الأكبر مساحة في الاتحاد السوفييتي السابق، والمتواصلة جغرافياً فيما بينها، من الحدود الآسيوية شرقاً، إلى الحدود الأوروبية غرباً . إضافة إلى أنها تعد الدول الأكثر نجاحاً في المجال الاقتصادي بين دول الكومنولث .
وسعت هذه الجمهوريات الثلاث، إلى إقامة فضاء اقتصادي موحد للانتقال الحر للبضائع والبشر والخدمات والأموال، وتطورت مساعيها قدماً من خلال إقامة الاتحاد الأورو آسيوي، بهدف تنظيم الاقتصاد الكبير وعمليات المنافسة والطاقة والتنقل والنقل فيما بينها، وقربت هذه الدول معاييرها الجمركية، من معايير منظمة التجارة العالمية " الغات"، التي باتت روسيا مؤخراً عضواً فيها، وتستعد كازاخستان للانضمام إلى عضويتها أيضاً . كما أقرت هذه الدول تجاوز صيغة العمل السوفييتي السابق، والانتقال نحو صيغة تنسيقية تضمن السيادة الكاملة لدولها، أقرب إلى صيغة الاتحاد الأوروبي منها إلى الصيغة التنسيقية السوفييتية السابقة . ويسجل لدول الاتحاد الجمركي، إضافة إلى تواصلها الجغرافي، على أهميته وضروراته، التكامل الموضوعي في مقدرات دولها، وقدرتها على الاستفادة من إمكاناتها في التنسيق المتبادل، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتالياً السياسية . ويضاف الاتحاد الجمركي بذلك إلى هيئات تنسيقية أخرى في إطار الكومنولث، ومنها معاهدة الأمن والتعاون الجماعي، التي أنشئت عام ،2002 وتضم روسيا وست جمهوريات سوفييتية سابقة .
وخلافاً لقمم الاتحاد الجمركي السابقة، فإن قمة مينسك، اعتمدت صيغة جديدة تشاورية، عنوانها قمة الاتحاد الجمركي وأوكرانيا، ومشاركة وفد من الاتحاد الأوروبي، قادته كاترين آشتون المفوضة العليا للسياسة الخارجية، وضم في عضويته المفوض الأوروبي لشوؤن التجارة كارل دي غوشت، والمفوض الأوروبي لشوؤن الطاقة غونتر أو تينغر . كما طغت على جدول أعمالها ونقاشاتها الأزمة الأوكرانية وتبعاتها، التي برزت منذ توقيع أوكرانيا على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بعيد التغيير البرلماني الأوكراني، الذي حدث إثر رفض رئيس أوكرانيا السابق فيكتور يانكوفيتش التوقيع على هذه الاتفاقية، وما أحدثه هذا التغيير في تركيبة سلطات كييف، من أزمة برلمانية، وإعلان استقلال أقاليم عدة في شرق-جنوب البلاد عن العاصمة كييف .
ورغم الجهود الثنائية والجماعية لدول الاتحاد الجمركي، الهادفة إلى إيجاد لغة مشتركة مع أوكرانيا (ثاني أكبر الجمهوريات السوفييتية السابقة)، والتي كانت مرشحة حتى تاريخ أزمتها للانضمام إليه، فإن تداعيات الأزمة الأوكرانية عكست نفسها على العلاقات مع الاتحاد الجمركي، وبخاصة مع روسيا . كما طغت هذه الأزمة على قمة مينسك الأخيرة . إذ لم تسفر القمة الثنائية الروسية- الأوكرانية، عن الوصول إلى حلول بشأن الأزمة الأوكرانية، وتالياً حل تبعاتها على صعيد العلاقة مع روسيا وغيرها من الدول الاتحاد الجمركي . وتلخصت في التوافق على محادثات ثنائية بشأن مسائل الحدود، والمساعدات الإنسانية الروسية لأقاليم شرق-جنوب أوكرانيا، وضرورة الحوار والحل السياسي بين مكونات الحالة الأوكرانية .
ورغم تشديد زعماء الاتحاد الجمركي (الروسي فلاديمير بوتين، البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو، الكازاخي سلطان نزار باييف)، على ضرورة التواصل في صيغة الاتحاد الجمركي مع أوكرانيا، لحل المشكلات القائمة والمعلقة، فإن بوتين أشار مجدداً إلى عدم نجاعة هذا الأسلوب، وإلى ضرورة حل موضوعة نهج أوكرانيا الجديد في علاقاتها مع دول الجوار، ومعالجة تبعات اتفاقية الشراكة الأوروبية- الأوكرانية على العلاقات الاقتصادية والسياسية الأوكرانية مع دول الاتحاد الجمركي .
كذلك وقف تمييز أوكرانيا ومنتجاتها من التعامل التفضيلي، وهذا ما سيؤدي إلى وقف استيراد المنتجات الأوكرانية بأسعار خاصة من جهة، والتدقيق في المنتجات الصادرة عنها، من خلال التدقيق في هوية بلد المنشأ (أوروبي أوكراني)، وتبعاته من جهة أخرى .
ويواجه الرئيس الأوكراني بيتر بوروشينكو، في هذا السياق، أزمة مركبة جوهرها تبعات هذه الاتفاقية على قدرة بلاده التنافسية، وعلى تداعيات تعاطي دول الجوار، وبخاصة الاتحاد الجمركي مع منتجات أوكرانيا أيضاً . وتضاف إلى أزمة أوكرانيا الحالية، قرار حل البرلمان، والتحضير لانتخابات برلمانية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل .
لقد ارتضت سلطات كييف الناجمة، عن التغيير البرلماني، توقيع اتفاقية الشراكة، رغم آثارها السلبية في الاقتصاد الأوكراني، وبخاصة مسألة التبادل الحر والقدرة التنافسية . كما ارتضت تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، على حساب علاقاتها التقليدية والبنيوية الاستراتيجية، مع جوارها السوفييتي السابق، وما أفرزته من أزمات داخلية أوكرانية، ومع دول الجوار أيضاً .
في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الجمركي للوصول إلى تفاهمات بين دوله وأوكرانيا، تتجاوز تبعات هذا النهج الأوكراني الجديد، ودخول الاتحاد الأوروبي وسيطاً على خط الأزمة الأوكرانية، التي استبعدت منها أمريكا في قمة مينسك .
خطوات ومحاولات اتحادية جمركية، وصعوبات أوكرانية، عنوان العلاقة القائمة والمستقبلية القريبة بين أوكرانيا ودول الاتحاد الجمركي، لن يصح فيها إلا النتائج الإيجابية لكلا الطرفين، بعد أن بات واضحاً أن للاتحاد الأوروبي شروطه ومصالحه، وأن أزمة أوكرانيا لا يمكن حلها بقرارات رئاسية، وأن تجاوز هذا الترابط السابق العميق والاستراتيجي بين هذه الجمهوريات، شرطه الوحيد مصلحة كل أطرافه، وليس طرفاً واحداً فقط . وأن انعكاساتها ستواجه بمواقف وقرارات تحفظ مصلحة الأطراف الأخرى، وهذا ما أكدته قمة مينسك، في دعوتها إلى صيغة اتحاد جمركي مع أوكرانيا، بمشاركة أوروبية، تستثني الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثل في الوقت نفسه نقلة نحو حل جذري لتبعات اتفاقية الشراكة الأوروبية الأوكرانية وتداعياتها .
وتحافظ في الوقت نفسه أيضاً على استقلالية الدول، وعلى تطورها الاقتصادي وعلى رفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، أو التأثير والضغط على توجهاتها أيضاً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"