لا تلعب مع الدب الروسي

02:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبدالله السويجي

هل كان الرئيس التركي أردوغان يعلم مدى خطورة اللعب مع «الدب الروسي» حين أسقط طائرة «السوخوي24»، التي كانت تقصف أوكار الإرهابيين في سوريا؟ وهل درس شخصية ابن ليننغراد الذي حارب والده في الحرب العالمية الثانية دفاعاً عن مدينته، وترأس مجلس الأمن الفيدرالي الروسي، والأكاديمي الحاصل على ما يعادل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، والحائز الحزام الأسود في رياضة الجودو والسامبو، وفوق ذلك هو الرجل الذي قال عنه سلفه يلتسين بأنه الوحيد القادر على نقل روسيا إلى القرن الواحد والعشرين؟
هل درس أردوغان كاريزما فلاديمير بوتين، الرجل الذي يتربع على قمة رأس دولة عظمى ولا يعرف المخاتلة ولا المراوغة، وإنما يطرح فكرته وموقفه بوضوح تام؟ أم أنه تعامل مع رئيس روسيا الاتحادية بمنطق سليل الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم مناطق واسعة كانت تحت إدارة الاتحاد السوفييتي قبل ضربه ب«البروستريكا»؟ أي أنه تعامل من منطلق السلطان.
لا شك أن أردوغان كرئيس دولة، يطلب تقارير عن حياة رؤساء الدول بالتفصيل الممل، ولا شك أنه يعرف كل ما سبق وأكثر عن شخصية بوتين منذ العام 1999، لكنه وكما يبدو لم يدرك الأبعاد الاستراتيجية لهذه الشخصية، ولم يحلّل آلية تفكيرها وردود أفعالها، واعتزازها بنفسها وبتاريخها، بل إنه حين أسقط «السوخوي» نسي أو تناسى أنه أسقط طائرة تابعة لدولة عظمى، لظنه أنه بالإمكان الاحتماء بحليفه «الناتو»، وهذا ما كان له في البداية، لكن الأمر تغيّر فيما بعد، لاختلاف وجهات نظر أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن المغامرة التركية.
القضية ليست «مناطحة» بين «السلطان» و«القيصر»، فلا أردوغان سلطاناًً، ولا فلاديمير بوتين قيصراً، ولكن القضية استراتيجية بامتياز، وتكمن الخطورة في اللعب بالقضايا الاستراتيجية على المكشوف.
أردوغان، كان يسوّق سياسات متناقضة حتى وقت قريب، حتى يحقّق مآربه التي لا تختلف عن مآرب الإخوان المسلمين في قلب الأنظمة، وإقامة «دولة الخلافة»، ولهذا كان مرة يتحالف ضد «داعش»، ومرة يقف إلى جانب «المعارضة المعتدلة»، وأخرى يطالب بإقامة مناطق آمنة على الأرض، ومنطقة حظر جوي في السماء، ومرة يريد الإطاحة ببشار الأسد، وأخرى يوافق على بقائه في الحكم لفترة انتقالية، ومرة يفاوض حزب العمال الكردستاني وأخرى يلغي المفاوضات. ظل يتأرجح بين هذه السياسات حتى سوّلت نفسه إسقاط طائرة «السوخوي» وبات في مواجهة رجل روسيا العنيد، لا لشيء إلا لأن الطائرات الروسية قصفت رتلاً من الشاحنات المحملة بالنفط التابع لتنظيم «داعش»، كما قال بوتين، والذي نشر صورة «قديمة» لنجل الرئيس التركي بلال أردوغان وهو مع قادة «داعش»، ثم نشر صوراً تم التقاطها بالأقمار الصناعية توضّح هذا الأمر، ووجه الاتهام مباشرة لتركيا بأنها تشتري النفط من «داعش» مقابل إمدادها بالسلاح وتسهيل عبور المقاتلين إلى سوريا، وظهر مسؤول إيراني الجمعة الماضي ليؤكد أن بلاده تمتلك وثائق تدل على تجارة النفط بين «داعش» وتركيا.
موقف أردوغان ليس وليد اللحظة، فهو من سهّل عبور عشرات الآلاف من المقاتلين المتطرفين (الإسلاميين) إلى سوريا، وسلّحهم ودرّبهم، وقد كان في زيارة لدمشق قبل اندلاع الأحداث في سوريا بثلاثة أشهر، ووقع معها اتفاقيات استراتيجية. فضلاً عن أنه حاضن الإخوان المسلمين منذ زمن، وهو أول رئيس أجنبي زار الرئيس المصري السابق محمد مرسي آملاً بتحقيق دولة الخلافة على أرض مصر. وهو الذي ينتمي لحزب ديني بامتياز «حزب العدالة والتنمية» ويمارس القمع ضد وسائل الإعلام التركية حتى احتلت تركيا أدنى المراكز في مجال حرية الصحافة.
وروسيا التي خسرت استثماراتها في ليبيا التي تقدر بالمليارات، وخُدعت من قبل «الناتو»، وهي التي تواجه حرباً ضد المقاتلين الشيشان قبل اندلاع (الربيع العربي)، وهي التي تملك أكبر قاعدة لها في البحر المتوسط، في ميناء طرطوس السوري، وتبني قاعدة عسكرية كبيرة الآن في ميناء اللاذقية، وهي التي تتمتع باستثمارات هائلة في سوريا في مجال الطاقة تقدّر ب16 مليار دولار، وهي التي تراقب تمدّد «داعش» في أفغانستان والشيشان وقيرغزستان، وهي التي بدأت تشعر بالخطر الحقيقي للإرهاب العابر للقارات، فاتخذت خطوة جريئة وواضحة وقوية للتصدي للإرهاب قبل عبوره إلى أراضيها كما قال بوتين، وتوجهت بكل ثقلها إلى الأراضي السورية، وأعلنت بشكل واضح أنها تقف إلى جانب الأسد، وأدركت أن محاربة التطرف والإرهاب لا يتم إلا بالتنسيق مع النظام السوري، وهو الموقف الذي عبرت عنه ألمانيا فيما بعد، وها هي تشارك بطائراتها في قصف قواعد «داعش»، إضافة إلى انضمام بريطانيا وفرنسا للحلف، بعد أن ذاقت الأخيرة من كأس جحيم الإرهاب.
اللهجة التي تحدث بها الرئيس الروسي مؤخراً قوية إلى درجة الإهانة، وحذّر أن رد فعل دولته لن يتوقف عند العقوبات الاقتصادية، وهذا يعني أن خطوات أخرى سُتتخذ ضد تركيا، فالدب الروسي يعاني التطاول على هيبته، و(طعنه) في الظهر، على حد وصف بوتين، وموقفه الجاد جعل تركيا توقف تحليق طائراتها في السماء السورية لضرب «داعش» رغم أن ضرباتها كانت وهمية، لأنها في الواقع كانت تضرب قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا.
أردوغان يحاول الآن امتصاص واحتواء الانفعال الروسي، لكنه لم ينجح، فهو غير مستعد حتى للاعتذار، ولم تقبل روسيا كلامه الذي قال فيه إنه لم يعط الأوامر لإسقاط الطائرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"