مراحل تطور تاريخ الدبلوماسية

04:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

قررت الحكومة المصرية يوم الخميس 19/11/2009 استدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور احتجاجاً على الاعتداءات على المشجعين المصريين لمنتخبهم الوطني في كرة القدم في السودان وعلى المصالح المصرية في الجزائر، ويعد إجراء استدعاء مصر لسفيرها لدى الجزائر أشد إجراء دبلوماسي اتخذ بين البلدين، ومن هنا يمكن النظر إلى الدبلوماسية باعتبارها نظاماً راقياً ومتجدداً للعلاقات بين الدول في سبيل عالم أفضل، فالدبلوماسية تهدف إلى السلم وإلى علاقات تقوم على نظام قانوني مستقر وتكون فيها الاتصالات والمفاوضات ممكنة بين الدول أو الهيئات الدولية .

ويبين تاريخ الدبلوماسية أنها قديمة قدم الشعوب، حيث ارتبطت بحاجات الجماعات الإنسانية المختلفة في سعيها لتنظيم العلاقات في ما بينها، وقد مرّت الدبلوماسية بأربع مراحل من التطور في تاريخها، فالمرحلة الأولى تبدأ من العصور القديمة حتى القرن الخامس عشر، وتميزت بالتنقل وإيفاد مبعوث لعقد معاهدة أو نقل رسالة أو إبرام اتفاق تجاري، وقد عرف المصريون والآشوريون والفرس هذا النوع من الدبلوماسية، وساهم ظهور المدن وازدهار التبادل التجاري في زيادة البعثات الدبلوماسية .

وانطلقت الدبلوماسية إلى آفاق جديدة في عصر النهضة الأوروبية وعصر الاكتشافات .

أما المرحلة الثانية فتبدأ من القرن الخامس عشر حتى مؤتمر فيينا عام ،1815 حيث تحولت الدبلوماسية من التنقل إلى الثبات، وكانت أول بعثة دبلوماسية دائمة هي تلك التي أنشأها فرنشسكو سفورزا دوق ميلان في جنوا عام ،1400 وكانت البعثاث الدبلوماسية ضرورية للجمهوريات الإيطالية في البندقية وميلانو وفلورنسا ونابولي وروما، ثم انتقلت فكرة التمثيل الدبلوماسي إلى فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، وأدى سقوط البابوية والإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى انتشار نظام الدبلوماسية الدائمة والمقيمة وعلمنة أعضاء البعثات الدبلوماسية بعد أن كانوا من رجال الدين، وأصبحت الدبلوماسية ماكيافيلية في الشؤون الدولية .

وفي المرحلة الثالثة من 1815 إلى 1914 أصبحت الدبلوماسية أكثر دقة وثباتاً، حيث تحددت القواعد المنظمة لنشاط البعثات الدبلوماسية وأضحى الدبلوماسي ممثلاً لدولته وليس للملك أو الحاكم . وعملت الدبلوماسية على تسهيل التعارف المتبادل بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة وتنمية التعاون الدولي وحل الخلافات الدولية بالوسائل السلمية .

وفي المرحلة الرابعة من 1914 إلى وقتنا الحاضر تميزت الدبلوماسية بتقلص دور الدبلوماسي نظراً لحدوث تغيير في الأهداف، حيث تتطلع الدبلوماسية الحديثة إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية وإيديولوجية ودعائية لخدمة مختلف القضايا . كما تحولت الدبلوماسية التقليدية إلى الدبلوماسية العلنية التي تمارس ضمن إطار من الصراحة والجماهيرية، وتأثرت السياسة الخارجية للدول بظهور الرأي العام وممارسته للضغوط على الحكومات المحلية والدولية، وظهور تكتلات دولية حديثة، وكذلك تأسيس المنظمات الدولية التي ترافقت مع تطور العلاقات الدولية بعد الحربين العالميتين، وتحولت نحو دبلوماسية الاجتماعات واللقاءات بين المسؤولين التي تساعد على تمتين العلاقات بين الدول .

وعندما اتسعت مساحة العالم الإسلامي وامتد نفوذ الحكم العربي عند امتداد الإسلام واتساع فتوحاته، ازدهرت الحياة بكل جوانبها، خصوصاً في المجال السياسي وبعد بعثة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك اتضحت معالم الطريق واستبان الهدى وما جاء به الإسلام بما يسعد الإنسان ويقوده إلى نهجه الرشيد، ووضع له معايير أخلاقية ترفع مكانة العربي وتعلي قدره، وتنقي الساحات السياسية والاجتماعية من كل ما له مساس بالسلوك الإنساني، إلى جانب تنظيم العلاقات بين البشر في تعاملهم واتصالاتهم وعلاقاتهم وتحديد وظيفة السفير في نطاق العفة والفضيلة والترفع عن كل ما يسيء إلى العلاقات بين الدول .

فبعد فتح مكة استتب الأمر للمسلمين، وأصبحت دولتهم قوة مهمة في الجزيرة العربية وكثرت فيها البعوث وتتالت إليها الوفود، وأصبح فيها نواة حية لما يعرف اليوم بالتمثيل السياسي أو الدبلوماسي . فأخذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث، ويعنى عناية خاصة بالرسل والمفاوضين والسفراء الأجانب، ويمنع أن يصل إليهم أحد بسوء، فاعتبرت هذه الرعاية قاعدة عامة في التشريع الحربي الإسلامي .

وتؤكد كتب الأخبار أن السفارات في عهد النبوة كانت تنقسم إلى قسمين، سفارات داخلية وسفارات خارجية، السفارات الداخلية وهي البعوث التي يرسلها النبي عليه السلام إلى القبائل داخل الجزيرة العربية من أجل تعزيز قوة الدين، أما السفارات الخارجية، فهي البعوث التي كان يرسلها النبي عليه الصلاة والسلام إلى الملوك والأمراء في الدول المجاورة، فقد بعث إلى كسرى عظيم الفرس، وإلى قيصر عظيم الروم، وإلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وإلى النجاشي، وإلى الحلوث ابن أبي شمر الغساني .

وكانت الحصانة الدبلوماسية قد أقرها الإسلام عملاً بمقتضى الأمان . وتعني عدم التعرض لشخص السفير السياسي وماله وأسرته وأمتعته، بل حتى رسائله السياسية، وكذلك الحصانة القضائية عندما تسامح الإمام أبوحنيفة فأعفى السفير من المسؤولية الجنائية وغيرها، وذلك انطلاقاً من الحصانة الدبلوماسية للسفراء، التي تجعلهم يعيشون في ديار الإسلام وكأنهم في بلادهم، بالإضافة إلى الحصانة المالية وفيها أقر الفقهاء إعفاء السفير من الضرائب والرسوم الجمركية .

لقد كان الإسلام في الحقيقة والواقع تحولاً كبيراً في كيان البشرية في ساحة السياسة والفكر، لكي يدرك الجميع أن الإسلام دين ودولة، وهذا يعني أن الإسلام لم يقتصر على بيان ما هو ديني فقط، وإنما شمل إلى جانب ذلك كل ما يتعلق بأوجه التعامل بين الأشخاص وكذلك بين الكيانات السياسية والقانونية الدولية، والتي تمثل القانون الدولي والعلاقات الدولية والدبلوماسية، بالإضافة إلى ذلك تبين أسس وقواعد التعامل في المجتمع، سواء على النطاق الداخلي أو في إطار المجتمع الدولي وفي مقدمة ذلك العلاقات الدبلوماسية .

لذلك يؤكد كثير ممن كتب عن الدبلوماسية أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم سلك من ضروب السياسة ما يهيئ له أسباب النجاح، ولذلك منهج الدبلوماسية يعني بذل الوسع في استخدام مختلف الكفاءات لمعالجة الأمور الطارئة بالوسائل السلمية، استخداماً يهدف إلى تأسيس قواعد التعاون في نطاق الأخلاق والمثل العليا من خلال القنوات الدبلوماسية واستخدام الحوار البناء والمنطق والكلمة الطيبة التي تصل إلى القلوب، لأن الثقافة السياسية والفكرية يجب أن ترتفع في الأسلوب الدبلوماسي إلى ما فيه المصلحة العليا للوطن من خلال توظيف الدبلوماسية للأعمال النبيلة والعالية . وستظل الدبلوماسية تعبر عن دينامية العلاقات المنفتحة باعتبارها نسقاً من الممارسة والسلوك الهادف إلى تنظيم المصالح المشتركة، ونشاطاً يتغلغل إلى عمق العلاقات بين الأمم والشعوب مع محافظتها على تقاليدها الأصلية في تحقيق غاياتها السامية والتكامل مع مقومات الدولة الحديثة .

كاتب من الإمارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"