مناقشة النيوليبرالية

03:25 صباحا
قراءة دقيقتين
فيصل عابدون

يندد بها الاشتراكيون ودعاة الأنسنة والطامحون إلى عالم تسوده العدالة، ويصف هؤلاء الليبرالية الجديدة بأنها التطور الإمبريالي الأكثر بشاعة للرأسمالية المتوحشة. لكنها مازالت تتمدد وتفرض هيمنتها على كافة أنظمة الاقتصاد والتجارة والسياسة في العالم.
والنيوليبرالية هي فكر أيديولوجي مبني على الليبرالية الاقتصادية ويرمز المصطلح عادة إلى السياسات الرأسمالية المطلقة وتقليص القطاع العام الحكومي إلى أدنى حد، وتأييد سياسات عدم التدخل في التجارة وإطلاق حرية الأسواق بأقصى درجاتها، وهو يستخدم مترادفاً مع مصطلح العولمة التي تقول التيارات اليسارية إنها خطة الولايات المتحدة لنشر الرأسمالية الأمريكية في العالم.
وتتلخص مبادئ الليبرالية الجديدة في هيمنة السوق وتحرير التجارة وتقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والتخلص من مؤسسات القطاع الحكومي بالإضافة إلى القضاء على مفهوم الصالح العام أو المجتمع، واستبداله بمصطلح الحرية الفردية والضغط على الشرائح الأشد فقراً ودفعهم لإيجاد حلول لمشاكل الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي بأنفسهم وتحميلهم المسؤولية، وتوجيه اللوم لهم في حال فشلهم. ويعتبر الخصوم أن هذا النظام الاقتصادي يطلق العنان للجشع لتكديس الثروة دون كوابح وتنسحق تحت سنابكه شرائح الفقراء سحقاً.
وسجل الكاتب البريطاني جورج مونبيوت سلسلة من المساوئ التي أفرزها تطبيق نظام الليبرالية الجديدة وأبرزها سيطرة الشركات العابرة ومتعددة الجنسيات وهبوط مستويات الصحة العامة للجماهير وتفشّي الأوبئة، وانخفاض جودة التعليم مع تنامي ظاهرة عمل الأطفال، وذيوع الإحساس بالوحشة الاجتماعية حتى أضحت الانعزالية سمة العصر؛ حيث قلَّت التفاعلات الإنسانية، وانخرط الناس في عوالمهم الصغيرة. ويضيف، أنها لعبت دوراً كبيراً في معظم المصائب التي حاقت بالبشرية خلال القرن الأخير من انهيارات مالية، وكوارث بيئية، وحتى صعود الشعبويين في أوروبا والولايات المتحدة.
وإلى هذه القائمة الطويلة يمكن إضافة بروز تيارات العنف والإرهاب التي انطلق عقالها من المجتمعات التي ظلت تعاني فداحة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينما وصلت شرورها إلى كافة أنحاء العالم.
وفي عالمنا العربي، يقول الباحث الفلسطيني الدكتور مضر قسيس إن ما يسمى «الربيع العربي»، كشف فشل وإفلاس السياسات الاقتصادية لنظام النيوليبرالية في المنطقة والذي تسبب في فوارق اقتصادية واجتماعية هائلة وساعد على إفقار ملايين الأشخاص، الأمر الذي خلق جذور الثورة. وهو يقول مع ذلك إن الأوضاع ستظل مهددة بالمزيد من الثورات ما لم تحصل شعوب المنطقة على نظام بديل يحقق العدالة بين طبقات وشرائح المجتمع.
أما الدكتور باسل البستاني فيعتبر في كتابه المعنون «الإنسانية في مواجهة النيوليبرالية»، أن نظام الرأسمالية النيوليبرالية قد بلغ مداه وأنه يسير نحو نهايته، بينما يراهن في المقابل على بداية ظهور ما أسماه نهج التنمية الإنسانية الشاملة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"