إنفاق المال في وجوه الخير

من وصايا الرسول
02:08 صباحا
قراءة 5 دقائق

من التوجيهات النبوية الكريمة التي توضح للمسلم الطريق الصحيح للتعامل مع نعمة المال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها .

الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية يوضح لنا دلالات هذا التوجيه النبوي الكريم، فيقول: النعم الإلهية كثيرة لا تقع تحت حصر وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وتجاه كل نعمة واجب على المسلم أن يقوم به، وحق يجب عليه أن يؤديه، فإذا قام المسلم بما يجب عليه تجاه نعم الله، فأدى الواجبات والحقوق، وشكر الله المنعم الوهاب، كان أهلاً لزيادة النعم، ولرحمة الله ورضوانه، فهو بهذا قد أدى ما يمليه عليه إيمانه الصحيح من الشكر لربه . . أما إن تمرد ولم يؤد ما عليه، فقد جحد النعمة، وأخذ في أسباب الكفر بها، وعندئذ ينتظره العذاب الأليم: لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .

ويضيف: هذا الحديث الشريف يضع ضابطاً مهماً من ضوابط إنفاق المال هو قوله عليه الصلاة والسلام في الحق أي في الطاعات والوجوه المشروعة، ليزيل ما قد يلتبس على بعض الأفهام من الإسراف المذموم، والتبذير المنهي عنه في قوله تعالى: ولا تبذر تبذيراً، ولا يغيب عن أذهاننا أن تقييد الإنفاق في الحق يحتفظ لصاحب المال بجانب كثير منه، ليؤدي واجباته، ويقوم به على رعاية أهله ومن تلزمه نفقتهم .

كما يشترط في هذا المال الذي يغتبط عليه صاحبه كما يقول علماء الحديث أن يكون مجموعاً من الحلال، لا غش فيه ولا شبهة، وهذا الشرط واضح في قوله عليه الصلاة والسلام رجل آتاه الله مالاً فإسناد الإتيان بالمال إلى الله يشير إلى أنه رزق منه سبحانه، قد ساقه للعبد جزاء وفاقاً، أما إن اكتسب إنسان مالاً من حرام أو شبهة، وحاول أن ينفق منه في سبيل الله أو في أي عمل من أعمال البر، فإن إنفاقه منه غير مقبول، ولا غبطة في هذا المال، قال عليه الصلاة والسلام: لا تغبطن جامع مال من غير حله، أو من غير حقه، فإنه إن تصدق به لم يقبل منه وما بقي كان زاده إلى النار .

أفضل النفقات

وعن أفضل وجوه إنفاق المال يقول الدكتور صبحي عبدالحميد الأستاذ بجامعة الأزهر: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستعن يغنه الله .

ففي هذا التوجيه النبوي الكريم يوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج الإنفاق والتصرف في المال، ويوضح قيمة العمل في الإسلام، فقد أخبر صلوات الله وسلامه عليه بأن اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المعطية والمنفقة، والسفلى هي السائلة والآخذة، وهذا يؤكد أن الإسلام يربأ بأتباعه أن يريق أحدهم ماء وجهه أو أن يسأل الناس، كما يغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم قيم العفة وغنى النفس في نفوس وقلوب المسلمين من خلال دعوته إلى العفة والاستغناء عما في أيدي الناس بما عند الله عز وجل .

وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: اليد العليا خير من السفلى دعوة كريمة إلى الإنفاق وعدم البخل بما أنعم الله به على الإنسان، وهذه الدعوة النبوية تنطلق من الفهم الصحيح لقول الحق سبحانه وتعالى: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالله عز وجل يحث المسلم على الإنفاق في وجوه الخير، والإنسان باعتباره لا يملك شيئاً لأن المال مال الله والإنسان مستخلف فيه، عليه أن يستجيب لنداء الحق وينفق من مال الله على عباد الله وفي كل وجوه الخير، وقد وعد الحق سبحانه من ينفقون المال في وجوه الخير بالأجر الكبير والثواب العظيم، فقال سبحانه: فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير أي الذين آمنوا بالله إيماناً حقاً وأنفقوا أموالهم في ما يرضي الله تعالى لهم منه عز وجل أجر كبير لا يعلم مقداره إلا الله تعالى .

ويرسم رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه منهجاً مثالياً في الإنفاق والعطاء فيقول: ابدأ بمن تعول وهم من يجب على الإنسان نفقتهم، وفي الحديث الصحيح قال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، قال عندي آخر، قال تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال عندي آخر، قال: أنت أبصر به، هذا التوجيه النبوي الكريم يحدد للإنسان أولويات الإنفاق المشروع، فلا يجوز أن ينفق الإنسان على من لا شأن له بهم ويترك زوجته وأولاده جوعى، وليس من خلق المسلم أن يتصدق على الغرباء ولديه أقارب في حاجة إلى المساعدة .

وسطية واعتدال

ومنهج الإسلام في إنفاق المال كما يقول د .هاشم هو منهج الوسطية والاعتدال، فالإسلام يحث على إنفاق المال في وجوه الخير، وعدم كنزه وحبسه بخلاً وشحاً، وينذر القرآن من يفعل ذلك بعذاب شديد يوم القيامة .

ويحذر الإسلام أيضاً من الإسراف والسفه في إنفاق المال، فإذا أنفق الإنسان ما تحت يديه من مال بطريقة لا يحكمها عقل ولا منطق فهو من السفهاء الذين يجب الحجر عليهم، أما إذا أنفقه في وجوه الخير، فإن ثوابه عند الله عظيم .

والإسلام يعلم المسلمين أن ما ينفقونه من أموالهم على الفقراء والمحتاجين ليس تفضلاً، وإنما هي حقوق قررها الإسلام لتحقيق التكافل الاجتماعي بين الناس، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك في العديد من الآيات من بينها قوله تعالى: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم . ومن ذلك يحمل الإسلام الإنسان المسؤولية الكاملة عن ماله كسباً وإنفاقاً وسوف يسأله الله يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، كما ورد في الحديث الصحيح . وقوله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة عن ظهر غنى يوضح أن خير الصدقة، وأفضلها عند الله ما كان عن ظهر غنى، أي فاضلاً عن العيال والأهل .

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة، فقال في الحديث الصحيح: أن تتصدق وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان . وفي رواية: أن تتصدق وأنت صحيح شحيح والشح أعم من البخل . والرسول صلى الله عليه وسلم هنا يوضح لنا أن الصدقة عند غلبة الحرص وفي حال الصحة أفضل، لأن الشح حينئذ يكون غالبا، والصدقة في هذه الحال دليل على صدق نية صاحبها وإخلاصه فيها، وهذا بخلاف من أشرف على الموت ويئس من الحياة، فإن صدقته تكون ناقصة بالنسبة لحاله وهو صحيح، وقد نبه القرآن الكريم إلى مراعاة ذلك، وحث المسلم على فعل الخيرات قبل أن يأتيه يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة وحينئذ يندم ولا يجدي الندم، يقول الحق سبحانه: وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها .

إن الإنسان في حال صحته وتمام قوته، يكون من الصعب عليه أن يخرج ماله، كما هو الغالب عند كثير من الناس، فإن الشيطان حينئذ يزين له الحياة وإمكان طول العمر، وأنه قد يحتاج إلى هذا المال، كما قال تعالى: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسع عليم، وبهذا يتبين لنا كيف تنشأ دوافع السوء والتكالب على الحياة والبخل بالمال .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"